د. وحيد عبدالمجيد
أصبحت مواجهة النفوذ المتزايد لأصحاب الثروات الهائلة وشركاتهم الكبرى، وما يقترن به من تفاوت اجتماعى وخطر على النظام السياسى،
أحد أهم الهموم التى تؤرق المجتمعات فى الدول الديمقراطية المتقدمة. فقد أصبح النظام الديمقراطى مهدداً بالتعطيل والإخفاق نتيجة ازدياد قوة المجموعات المالية والاقتصادية الكبرى التى تحتكر الثروة وتتطلع بالتالى إلى الهيمنة على السلطة السياسية.
فإذا تجاوزت قوة الثروة مستوى معيناً، تنامى تأثيرها على السلطة التى قد تصير فى بعض الحالات أداة تضع سياسات تؤدى إلى مزيد من تركز هذه الثروة وما يعنيه ذلك من توسع نطاق الفقر واشتداد قسوته.
وينبغى أن تكون صورة ما يحدث فى العالم فى هذا المجال ماثلة أمامنا اليوم فى ضوء تجربة تنامى نفوذ الثروة بدءاً من أواخر السبعينيات، وتداخلها مع السلطة ثم امتلاكها أهم ركائز هذه السلطة خلال العقود الثلاثة التالية.
فعندما نشرت د. سامية إمام عام 1986 كتابها »من يملك مصر؟«، كان بلدنا قد بدأ يقع فى قبضة أصحاب الثروة الذين تنامى نفوذهم وأخذوا فى نسج علاقات مع دوائر السلطة السياسية.
فقد أوضح الكتاب كيف تنامت طبقة كانت جديدة وقتها عبر تراكم بدائى لرؤوس الأموال اعتماداً على التوكيلات فى البداية، واستغلالاً لفرص الفساد الذى فُتحت أبوابه على مصاريعها.
ولم يمض عقد أو أكثر قليلاً على إسهام سامية إمام المميز حتى كانت الثروة التى تنامت عبر الفساد المرتبط بالزواج من السلطة قد توحشت. كما أخذت علاقتها مع السلطة فى التغير. فلم تعد الثروة المتوحشة تعتمد على ما يفتحه أمامها صانعو القرار فى السلطة من أبواب، بل صار فى إمكانها أن تسيطر بنفسها وبشكل مباشر على بعض أهم جوانب هذه السلطة.
فقد أصبح للثروة وجودها القوى فى كثير من مؤسسات الدولة والمجتمع.ولم يعد فى إمكان السلطة السياسية قبل ثورة يناير أن تضع حداً لتوحش الثروة، وما أدى إليه من ابتلاع معظم ثمار النمو الاقتصادى.
وينبغى الانتباه إلى أن ما حدث تدريجياً خلال تلك الفترة يمكن أن يُعاد إنتاجه مجدداً فى فترة أقصر إذا لم تخلق السياسات الاقتصادية والاجتماعية مساراً بديلاً يحول دون هيمنة الثروة على السلطة.