د. وحيد عبدالمجيد
لكل داء دواء. ولذلك يصعب العثور على دواء بدون تشخيص دقيق للداء. ينطبق ذلك على الإرهاب، مثله مثل كل داء. وتبدأ عملية تشخيص الداء الإرهابى بتحديد كيف يتطرف الإنسان دينياً.
فالإرهاب يبدأ عادة، وكقاعدة عامة يجوز الاستثناء منها، بتطرف شديد يتفاعل مع بيئة مجتمعية معينة فيخلق حالة قابلة للعنف. ويبدأ هذا التطرف بتعصب يصيب الإنسان. والتعصب الدينى هو أخطر أنواع التعصب لأنه يرتبط بعقيدة مقدسة. وعندما يصاب إنسان بالتعصب الدينى، تزداد قابليته للتفسيرات الأكثر تشدداً وغُلواً كلما ازداد التخلف السياسى والاجتماعى والتعليمى, وانتشر الظلم والقهر والفساد.
ولذلك، فإذا عدنا إلى التاريخ نجد أن الأوروبيين، الذين سعوا إلى وضع حد للحروب الدينية والمذهبية التى استعرت منذ القرن السادس عشر أدركوا أهمية البيئة التى نشبت فيها هذه الحروب.
وتفيدنا هنا العودة الى الشاعر الفرنسى بيير دى رونسار الذى نحى جانباً الأشعار الرومانسية التى برع فيها، وشمر عن ساعديه ليصدر مجلدين يُعدان من أمهات الكتب فى مجال مواجهة التعصب. كان أولهما عام 1652 وهو (خطابات عن ضروب البؤس فى زماننا). وتبعه الثانى فى العام التالى تحت عنوان (استكمال خطابات ضروب البؤس).
وتناول رونسار بشاعرية، ولكن بعمق أيضاً، العوامل المؤدية إلى التعصب لمذهب ضد آخر رغم انتمائهما الى دين يقوم على التسامح والمحبة. واستخدم تشبيهاً صادماً أثار جدلاً واسعاً ولكنه أسهم فى التنبيه إلى أحد جوانب الداء حين قال إن صانعى التعصب (يعظون الناس بإنجيل مسلح). ولكنه كان أوسع أفقا من أن يقع أسير الضحالة التى تدفع البعض الآن الى الاعتقاد بأن الخطاب المتطرف يحدث أثره فى فراغ وكأنه سحر, وتجاهل التداعيات العميقة لسياسات تخلق البؤس بمعناه المجتمعى الواسع.
و كذلك كان جون لوك الذى خاض فى الوقت نفسه معركة مشابهة ضد التعصب فى بريطانيا, والعوامل المنتجة له, وأصدر كتيبه المشهور «التسامح» بطبعاته المتعددة بين 1689و 1695، والتى جاءت الأخيرة فيها أكثر شمولا واحاطة بالداءً من سابقاتها.