د. وحيد عبدالمجيد
وصل الارهاب فى مصر والمنطقة عموما الى مستوى من الوحشية يفرض مراجعة جادة للافتراض الشائع بأن الانسان الأول كان الأكثر توحشا فى تاريخ البشرية, وأن عدوانيته أخذت تقل مع تطور الحياة وتقدمه معها. فقد صنع كثير من المفكرين من هذا الافتراض الذى لم يثبت أبدا نظريات قامت على تصورات وليس على أدلة علمية0
وأصبح ضروريا الآن مراجعة هذه النظريات التى وضع أساسها مفكرون أوروبيون فى مقدمتهم توماس هوبز (1588 ـ 1697) الذى تصور أن الحياة الأولى كانت «حرب الكل ضد الكل»، وأن وجود سلطة قوية جبارة تشبه الوحش الأسطورى «ليفيانان» ضرورية لمنع هذه الحرب. ويتبنى كثير من المثقفين العرب هذه النظريات رغم أنهم يعيشون فى واقع يحكمه مستوى من الوحشية ربما يكون أعلى مما عرفه البشر فى معظم مراحل تاريخهم. ومن الكتابات الجديدة المتأثرة بتلك النظريات كتاب المثقف العراقى إبراهيم الحيدرى «سوسيولوجيا العنف والإرهاب».
غير أنه لا يوجد ما يرجح أن الحياة البدائية التى عاشها الإنسان لفترة غير معلومة كانت قائمة على العنف والقتل والنهب. ففى غياب أى معرفة بهذه المرحلة الطويلة، يستحيل التأكد من طبيعتها.
ولكن الحجج المنطقية لمن تصوروها حالة سلام كان العنف فيها محدودا تبدو أقوى. ومازال جان جاك روسو أهمهم على الإطلاق، حيث طرح مجموعة مجادلات متماسكة ترجح أن حياة الإنسان البدائى خلت من الشر والشقاء إلا قليلاً. فلم يكن هناك ما يدفع إلى الصراع والتوحش، كان البشر قلائل على أرض بكر. ولذلك يمكن تصور أنهم استطاعوا العيش على ما كانت الطبيعة تجود به.
كما لم تكن هناك ملكيات خاصة تدفع البعض إلى محاولة الاستيلاء عليها، ولاسلطات يقتل الناس بعضهم لامتلاكها. ولذلك فليس هناك منطق قوى يدعم تصور أن الإنسان البدائى عاش على السلب والنهب.
ولذلك ربما يكون الصراع وما أنتجه من قتل وتوحش قد بدأ عندما أخذ الإنسان يتطور ويخلق الأدوات الأولى للزراعة التى فتحت الباب أمام الاقتتال على ملكية الأرض.
غير أنه بعد أن وصل التوحش فى عصرنا الى ما نراه الآن فى بلادنا وغيرها, قد يكون علينا أن نعتذر للإنسان البدائى الذى ظلمناه وألصقنا به ما قد لم يتخيل حدوثه بعد مئات الآلاف من السنوات.