د. وحيد عبدالمجيد
لم تفلح حتى الآن محاولات أطراف لبنانية صارت معروفة للقفز على الحراك المدنى الملهم الذى بدأ بجملة «طلعت ريحتكم» احتجاجا على عجز الحكومة عن حل مشكلة القمامة أو النفايات.
نجح منظمو تظاهرة السبت الماضى وجهاز الأمن الداخلى فى كشف لعبة من يريدون القفز على انتفاضة مدنية وتشويهها. فقد أنهى المنَّظمون التظاهرة مبكراً بعد أن امتلأت ساحة الشهداء والطرقات المؤدية إليها عن آخرها، وتجاوز الحشد ما كان متوقعاً، قبل أن يحل الظلام.
فما كان من المندسين فى التظاهرة لإثارة العنف إلا التوجه إلى ساحة رياض الصلح المجاورة والأقرب إلى مبنى الحكومة، حيث كان البلاطجة التابعون لهم جاهزين لإثارة الشغب ومحاولة اقتحام هذا المبنى. ولكن جهاز الأمن الذى استوعب درس تظاهرة الثلاثاء الماضى توقع أن يحدث ذلك، فكان جاهزاً بدوره وفق خطة محكمة لم يُستخدم فيها خرطوم مياه واحد أو قنبلة غاز يتيمة، ناهيك عن الخرطوش، بل حاصرت قواته المدربة مثيرى الشغب من كل الاتجاهات وأوقعتهم فى مصيدة0 وكان لمنظمى التظاهرة الرائعة فضل فى نجاح تلك الخطة الأمنية عندما نجحوا فى ضمان سلميتها طول اليوم وحتى إعلان بيانها الختامى الذى أعطى الحكومة مهلة أخرى تنتهى اليوم. كما رفعوا الغطاء عن مثيرى الشغب بشكل صريح، فظهر الفرق بين الحراك المدنى والخطة الإجرامية لاستغلاله من أجل أهداف سياسية طائفية.
وهذا إنجاز كبير ينبغى البناء عليه حتى لا تظل تحركات الشعوب معرضة لخطر القفز عليها واستغلالها، وخاصة فى ظل التفاهم الذى حدث بين المنظَّمين وجهاز الأمن. رفع المتظاهرون لافتات عليها شعار (أمن للناس.. مش للحكام والفساد)، فرد جهاز الأمن بلافتات حملت شعار (منكم .. لكن .. لحمايتكم).
احترم الأمن حق الناس فى التظاهر، فساعدوه فى حماية النظام العام. ويبقى أن يرتفع السياسيون الطائفيون إلى هذا المستوى، أو شىء منه، بعد أن توسع نطاق الغضب. ولولا أن معظم اللبنانيين مازالوا أسرى زعماء طوائفهم، لملأت الاحتجاجات كل شبر من بلدهم سعياً إلى التغيير الذى تصدرت شعاراته اللافتات: (التغيير .. حلوا عنا)، و(بدنا نحاسب .. بدنا نغير). وكان العلم اللبنانى هو بطل المشهد فى ساحة الشهداء، وفى المسيرات المتجهة إليها السبت الماضى. فقد رفرف عالياً، بينما طُويت أعلام الأحزاب والطوائف.