د. وحيد عبدالمجيد
أحد أهداف الإرهاب هو أن يفرض على الجميع صوتاً واحداً لا موضع فيه للعقل والتفكير والابتكار والإبداع. فإذا فرضنا على أنفسنا صوتاً واحداً بدعوى مواجهته، فنحن نحقق له بعض ما يسعى إليه وننصره على أنفسنا. ولذلك يدرك العقلاء أن تعدد الأصوات وتنوعها هو السبيل إلى مواجهة فاعلة ضد الإرهاب، تهدف إلى تغيير البيئة المجتمعية التى تنتج التعصب والتطرف المؤديين إليه.
وهم يعرفون أن خوض معركة ناجحة ضد الإرهاب يتطلب ارتفاع هذه الأصوات المتعددة، وليس خفضها أو كتمها وخنقها. وهذا هو ما خلص إليه المشاركون فى الندوة التى نظمها الاتحاد العربى للنقابات فى إطار المنتدى الاجتماعى العالمى الذى عُقد فى تونس قبل أيام. فقد دعوا فى بيانهم الختامى إلى توسيع نطاق الحقوق والحريات السياسية والنقابية ضمن منظومة ديمقراطية متكاملة لإتاحة أوسع مشاركة مجتمعية فى مواجهة الإرهاب. فإذا ارتبط ذلك، كما طرحوا، بإصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية الظالمة المنحازة للأثرياء والأقوياء، وإصلاح نظم التعليم الفردية التى تُعطل العقل، وتبنى سياسات ثنائية تقوم على المواطنة وقبول الآخر والتسامح، تكون المنظومة اللازمة لمواجهة الإرهاب قد اكتملت على نحو يضع العمل الأمنى فى حجمه الصحيح الذى لا ينبغى أن يتجاوزه.
وجاء إعلان هذا البيان فى الوقت الذى تدافع القوى الديمقراطية فى تونس عن الحريات التى تقول إن التحالف الحاكم (نداء تونس والنهضة الإخوانية) يسعى إلى استغلال الإرهاب للالتفاف عليها وتعطيلها، وفق ما نبَّهت إليه الجبهة الشعبية التى تمثل محور هذه القوى الآن. فقد حذرت مما سمته (الأساليب الجديدة القديمة التى تستخدمها كل القوى الرجعية فى العالم حين تحدث أعمال إرهابية، ويمكن أن تجد صدى فى صفوف بعض الفئات التى تنزع إلى الحلول الأمنية نتيجة ضعف وعيها). ودعا المناضل حمة الهمامى الناطق الرسمى للجبهة الشعبية التونسية إلى (عدم التفريط فى أى شبر من مساحة الحرية التى انتزعها شعبنا بدمه، وألاَّ نسمح باستغلال الإرهاب لإثقال كاهل الطبقات والفئات الشعبية بإجراءات تفاقم أوضاعها الاجتماعية المتردية أصلاً..).
والحال أن الهمامى يتحدث هنا باسم الديمقراطيين فى كل مكان، وهنا فى مصر، وليس فقط هناك فى تونس.