د. وحيد عبدالمجيد
يخلط كثير ممن لم يدرسوا العلوم السياسية أو يقرأوا فيها بين التحليل والتنجيم، ولا يرون فرقاً بين التوقع والعلم بالغيب.
وكم من محللين أصحاب معرفة عميقة، وباحثين ذوى خبرة طويلة، واجهوا صعوبات فى توقع تطورات معينة. وتزداد هذه الصعوبات كلما كانت الأوضاع مضطربة، وخاصة عندما يرتبط التوقع بسلوك أطراف لا ترتبط خطواتها باستراتيجيات محددة، أوتتصرف بطريقة رد الفعل.
وكثيرة هى التوقعات التى صدرت عن مراكز تفكير كبرى فى العالم، ولم تتحقق. وعلى المستوى العربى بمكن الإشارة على سبيل المثال فقط إلى مشروعين كبيرين فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى شارك فى كل منهما عدد كبير من أبرز العقول فى مصر وبلاد أخرى فى المنطقة، وهما مشروع منتدى العالم الثالث «مصر 2020»، ومشروع «مستقبل الأمة العربية» لمركز دراسات الوحدة العربية.
ومن يرجع إلى هذين المشروعين الآن، يجد أن معظم التوقعات التى وردت فيهما تبدو أقرب إلى الخيال. ولا يثير هذا استغراباً لأن تحقق أى توقع يظل احتمالاً تتفاوت فرصته من حالة إلى أخرى.
ورغم أن إغفال هذا المعنى هو أحد أسباب الحملة التى يتعرض لها الأستاذ هيكل بسبب عدم تحقق ما توقعه بشأن بدء التدخل العسكرى لمساندة الشرعية فى اليمن بعد قمة شرم الشيخ العربية وليس عشيتها، فقد لا يكون هذا هو السبب الرئيسى.
فهناك أسباب أكثر أهمية تفسر هذه الحملة مثل التردى المتزايد فى حالة العقل العام بعد عقود من التجريف وانهيار التعليم وتدهور الثقافة وضعف الإقبال على القراءة. فقد أدى ذلك إلى تسطيح عقلى تقوم وسائل إعلام عدة بدور كارثى فى ترسيخه .
وفى ظل هذه الأجواء، التى فاقمتها هستيريا الاستقطاب السياسى المجتمعى، لا يبقى مكان للعقل، ويؤثر كثير من أصحاب العقول السلامة ويبتعدون عما يعَّرضهم للنهش إلى أن تنحسر هذه الهستيريا.
ولذلك يُعد الهجوم المتكرر على هيكل حلقة رئيسية فى مسلسل استهداف العقل وإرهاب من يؤمنون بأن التنوير وتعدد الاجتهادات هما السبيل إلى الخروج من أزمتنا مهما بلغت ضراوة العداء للعقلانية التى سيسجل التاريخ لهيكل أنه أحد أبرز أعمدتها فى مصر والعالم العربى.