المصالحة مع من

المصالحة مع من؟

المصالحة مع من؟

 السعودية اليوم -

المصالحة مع من

عمرو الشوبكي

حديث المصالحة فى مصر حديث سياسى بامتياز المقصود منه المصالحة مع الإخوان، وهو حديث لم يلق صدى لا عند الإخوان ولا عند السلطة ولا عند الرأى العام، وبدا الأمر أن المعادلة الصفرية مازالت تحكم العلاقة أو المواجهة بين الجماعة والحكم الجديد، خاصة بعد اعتماد الإخوان استراتيجية تقوم على أنه لا يهم أن يخرب البلد على رؤوس من فيه، المهم أن يسقط النظام، وأن تعود الجماعة إلى حكم البلاد.

إن كل خطوة تخطوها مصر لا تثير لدى الجماعة نقدا أو نقاشا، إنما هى فرصة للتحريض وإطلاق دعوات الهدم والتخريب حتى لو كان الشعب المصرى هو الذى يدفع الثمن وليس أحدا غيره، فالتحريض من أجل إفشال المؤتمر الاقتصادى والشماتة فى أى تعثر فى مفاوضات سد النهضة (وكأننا نسينا إدارة الرئيس السابق الكارثية لهذا الملف على الهواء مباشرة)، والفرح فى هزيمة المنتخب الوطنى، وفى زيادة حوادث الطرق ومعها كل الكوارث حتى تقول إن النظام الجديد فاشل.

وهناك بالمقابل تيارات داخل الحكم وفى وسائل الإعلام تعيش على حالة الاستقطاب، وينتعش وجودها فى الحديث الدائم عن خطر الإخوان، لتغطية أى حديث عن خطر سوء الأداء والترهل والفساد وغياب الرؤية السياسية والاهتمام بالصورة واللقطة على حساب كثير من المضامين.

والحقيقة أن موضوع المصالحة السياسية غير وارد فى الوقت الحالى، ولن يتم فتحه إلا من خلال منظومة دستورية وقانونية لا تتحدث عن مصالحة إنما عن شروط قبول أى شخص أو تيار مهما كان انتماؤه الفكرى فى العملية السياسية وفق الدستور والقانون، وعملياً الإخوان لا يرغبون فى المشاركة ليس بسبب مثالب وأخطاء فى المسار السياسى، إنما لأنهم يرفضون المسار برمته ويعتبرون أن ما جرى فى مصر هو انقلاب عسكرى، وأصروا حتى الآن على ألا يروا أن هناك قسما غالبا من المصريين أيد 30 يونيو و3 يوليو ولم يفصل بينهما.

والحقيقة أن المصالحة التى يصرخ الكثيرون برفضها ليست مطروحة مع قوى سياسية حملت السلاح أو حرّضت على العنف، إنما هى مطروحة بقوة مع المجتمع ومع الرافضين لترتيبات ما بعد 3 يوليو، وهؤلاء يضمون بعض القوى المدنية والائتلافات الشبابية وتيارا محدودا من الرأى العام المدنى والديمقراطى، لكنه مؤثر، ومعهم قطاع آخر أغلبه من المتعاطفين مع الخطاب الإسلامى المتأثر بمقولات الإخوان المسلمين أو مع من سميتهم فى مقال سابق أصحاب الرواية الثانية (المقصود المختلفون مع الرواية الأولى السائدة والمسيطرة فى قراءة ما جرى فى 30 يونيو)، وهؤلاء ليسوا أعضاء فى تنظيم الإخوان، إنما هم جزء من الشعب المصرى تجدهم حولك فى حديثك مع جار أو قريب، ويتفاوت تقديرهم بين 15 و20% من الشعب المصرى (البعض يوصلهم للربع أيضا)، ويمكن وصفهم بالمعارضين تماما للمسار الحالى، ولبعضهم مرارات حقيقية نتيجة موت قريب أو صديق فى المواجهات التى جرت مع رجال الأمن.

ويقابل هؤلاء كتلة غالبة من الشعب المصرى تؤيد مسار 30 يونيو، وتعتبر أن أهم إنجازات الرئيس السيسى هو إنهاؤه حكم الإخوان وتخليص الشعب من مخططات الجماعة، وليس قائد انقلاب عسكرى كما يردد الإخوان، وبعض هؤلاء عانى هو الآخر من مرارة سقوط شهيد من أهله أو ذويه من رجال الشرطة والجيش وحمّل الإخوان ومناصريهم مسؤولية سقوطه.

وبصرف النظر عن تعاطفنا مع أى من الطرفين إلا أن الواقع يقول إن المجتمع المصرى صار منقسما ليس فقط بين نخبته كما هى العادة، إنما بين قطاعات من شعبه، وهو مشهد غير مسبوق ولا معتاد فى تاريخنا، ويمثل خطرا حقيقيا على مستقبل هذا البلد وعلى فرص تنميته الاقتصادية والسياسية.

إن الرواية السياسية المتشددة يمكن تفكيك جانب منها كما فعل عبدالناصر مع بداية حكمه حين نجح نتيجة رؤيته السياسية أن يشق تنظيم الإخوان، وهمّش أولاً بالسياسة الجزء الذى مارس العنف والإرهاب بعزله عن أى بيئة اجتماعية حاضنة فى نفس الوقت الذى واجهه بإجراءات أمنية عنيفة، صحيح أن الوضع فى مصر الآن يختلف عن عهد عبدالناصر، فالدولة أضعف والرؤية السياسية غائبة، وبالتالى تحميل الأمن مسؤولية مواجهة الإخوان ومظاهرة التحالف الشعبى (ضمت عشرين شخصا، وتم تحويل بعضهم للمحاكمة مثلما جرى مع الضابط المتهم بقتل شيماء الصباغ)، والطلاب دون وجود حوائط صد سياسية تشتبك معهم سيعنى تعقد مشاكل مصر وليس حلها.

فى مصر توجد بيئة خصبة تساعد على انتشار هذا النوع من خطاب الرفض والتحريض لأنه فى الحقيقة لا يوجد أى اشتباك من المنبع مع أسبابه السياسية والاجتماعية، فهناك شباب كثيرون محبطون، بعضهم اتجه للعنف، وبعضهم اتجه للمراهقة الثورية، وبعضهم انسحب من السياسة وكره السياسيين، وكثير منهم مازال مستعداً لأن يشارك لو وجد بيئة ملائمة للعمل السياسى السلمى، وعليه أن يقتنع أنه هو القادر على تغيير المعادلة السياسية ويساهم فى بناء بديل سياسى مدنى وديمقراطى قادر على انتزاع جزء من شباب العنف والرفض والمظاهرات اليائسة نحو العمل السياسى السلمى، عندها نكون قد وضعنا أنفسنا على أول طريق مواجهة الانقسام المجتمعى بالمصالحة والحوار المجتمعى قبل أى حديث عن مصالحة سياسية نخبوية.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصالحة مع من المصالحة مع من



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab