الزلزال البريطانى 2 2

الزلزال البريطانى (2- 2)

الزلزال البريطانى (2- 2)

 السعودية اليوم -

الزلزال البريطانى 2 2

بقلم : عمرو الشوبكي

تعددت أسباب تصويت أغلبية الشعب البريطانى بمغادرة الاتحاد الأوروبى، رغم توقعات رئيس الوزراء بنتيجة معاكسة ومعه معظم النخبة السياسية الحاكمة فى حزبى العمال والمحافظين، وجاءت الرياح بما لا تشتهى سفينة ديفيد كاميرون رئيس الحكومة.

والحقيقة أن استفتاء بلد أوروبى على الخروج من اتحاد أوروبى أمر يحتاج إلى التأمل، فكل السياسيين الذين دعوا الشعب البريطانى للخروج من الاتحاد، وعلى رأسهم زعماء حزب الاستقلال وبوريس جونسون، عمدة لندن السابق والمرشح لخلافة رئيس الوزراء الحالى، لم ينكروا هوية بريطانيا الأوروبية ولا إيمانهم بضرورة أن تبنى بريطانيا علاقات قوية مع دول الاتحاد، ولكن بين دول ذات سيادة وليس عبر مؤسسات بيروقراطية «وزعماء غير منتخبين عديمى الفائدة» مثلما قال زعيم حزب الاستقلال فى وصفه لحال الاتحاد الأوروبى.

فالاتحاد الأوروبى مثّل نظرياً فكرة حالمة لها بعد سياسى واقتصادى، حاولت أن تترجم هويتها الثقافية والحضارية فى قالب سياسى محدد، ومن هناك جاءت المشاكل بين حلم ومشروع سياسى وهوية وثقافة لا خلاف عليها، وبين وسيط اسمه الاتحاد الأوروبى يضم هيئات سياسية بيروقراطية وبرلماناً اصطدم بمؤسسات الدول الأوروبية الوطنية، ونازعها سيادتها وغرق فى تفاصيل إدارية وروتينية كثيرة.

والمؤكد أن سياسات الاتحاد الأوروبى كانت رأسمالية صرف، وأضرت فى كل بلد، خاصة البلاد الكبرى، بالقطاعات الأفقر والأقل حظا فى التعليم وأيضا الأكثر خوفا من الانفتاح على قيم العولمة الاقتصادية والسياسية، لذا لم يكن غريبا أن الريف البريطانى ومعه المدن العمالية صوتت بكثافة ضد البقاء فى الاتحاد الأوروبى، فى حين أن المدن الكبرى المنفتحة، وعلى رأسها لندن واكسفورد (حيث الجامعة العريقة) بجانب منطقة جبل طارق (صوتت بنسبة 95% مع الاتحاد الأوروبى) صوتوا جميعا بكثافة لصالح البقاء.

أما الدلالة الأخرى فهى «أجيال التصويت»، وهنا سنجد الأمر صادما بدرجة كبيرة، فيمكن القول إن الأجيال الأكبر هى التى حددت للأجيال الأصغر مستقبلهم بتصويتها لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى، على عكس خيارات الشباب، فى مفارقة لها ألف دلالة، فيكفى القول إن الشباب من سن 18 إلى 24 عاما صوتوا بنسبة 73% لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبى، وأن من هم بين 25 و34 عاما صوتوا بنسبة 62% لصالح البقاء، ومن هم بين 35 و44 عاما صوتوا أيضا لصالح البقاء داخل الاتحاد بنسبة 52%.

ومع الانتقال إلى الشريحة العمرية الأكبر (أى بدءا من 45 عاما) تقدمت نسبة المصوتين لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبى حتى وصلت بالنسبة لمن هم فوق الـ 65 عاما إلى 60%.

والحقيقة أن تصويت القطاع الكاسح من الشباب الأصغر (تحت 25 عاما) لصالح البقاء فى الاتحاد يكسر بدرجة كبيرة نظرية أن الفئات الأفقر هى التى حسمت معركة الخروج، لأن هذه الشريحة فى أغلبها إما طلاب أو فى بداية حياتها العملية، أو ممن لم يجدوا من الأصل وظيفة، ومع ذلك صوتوا فى أغلبيتهم الساحقة لصالح البقاء فى الاتحاد، والتفسير هنا ثقافى واجتماعى، فهو جيل أكثر انفتاحا على قيم العولمة وعلى الآخر، ولو بالمعنى الأوروبى، وبالتالى لم يستهوه الخطاب القومى المحافظ الذى جذب شرائح عمرية أكبر ودفعهم للتصويت بمغادرة الاتحاد.

الزلزال البريطانى كبير، وهو يطرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل الاتحاد الأوروبى، وأيضا حول مسارات الديمقراطية الليبرالية فهناك كثيرون اعتبروا قرار الشعب البريطانى خطأ، وسيدفع البسطاء منهم ممن صوتوا للمغادرة ثمن هذا الخيار.

والحقيقة أن هناك أسباباً كثيرة مقدرة دفعت أغلبية الشعب البريطانى للتصويت لصالح قرار المغادرة، إلا أن السؤال: هل يمكن أن يتراجع البريطانيون بعد سنوات قليلة عن هذا القرار باستفتاء آخر كما يفعلون فى نظامهم الديمقراطى حين يتغير تصويتهم للأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، أم أن نموذج الاتحاد الأوروبى نفسه هو الذى سيتغير؟ يقيناً الإجابة سيحسمها المستقبل، إنما بنفس اليقين أيضا فإن المسلمات البديهية التى قامت عليها فكرة الاتحاد الأوروبى وعصر التكتلات الكبرى قد تعرضت أيضا لهزة كبرى.

arabstoday

GMT 15:55 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

ماذا بعد انتهاء الحرب؟!

GMT 08:55 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الاعتدال الفاعل

GMT 18:48 2023 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصريحات نتنياهو

GMT 17:18 2023 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

عودة للحروب الوطنية

GMT 08:40 2023 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزلزال البريطانى 2 2 الزلزال البريطانى 2 2



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab