التوظيف الخائب لنظرية المؤامرة

التوظيف الخائب لنظرية المؤامرة

التوظيف الخائب لنظرية المؤامرة

 السعودية اليوم -

التوظيف الخائب لنظرية المؤامرة

بقلم : عمرو الشوبكي

اعتدنا أن نستدعى نظرية المؤامرة مع كل حادثة أو أزمة كبرى، وفى كل مرة نجد خطابا إعلاميا وسياسيا يؤكد تآمر العالم ضدنا، وأننا ضحية مؤامرات كونية لا تنتهى حتى من دول حليفة لنا.

والحقيقة أن الفارق بين نظرية المؤامرة وإدارة الصراع هو الفارق بين العمل الجاد والخيبة الثقيلة، فكما ذكرنى مؤخرا صديقى د. محمد ناصر، أستاذ العلاقات الدولية، بأن ما يدرسه طالب العلوم السياسية فى السنة الأولى عن أن الصراع مادام خفيا وسريا فيمكن- ولو مجازا- اعتباره مؤامرة، ولكن مادام انتقل للعلن فيصبح صراعا له أدواته المعلنة التى تستلزم منك مواجهته بأدوات أخرى لا الاختباء خلف نظريات المؤامرة لكى تهرب من المواجهة.

والحقيقة أن مصر عرفت خطاب المؤامرة طوال تاريخها، ولكنها حاولت فى كثير من الفترات أن تكشف أبعاد هذه المؤامرة للعلن وتحدد أطرافها ومخططاتهم، ففى عهد عبدالناصر كان الحديث واضحا ومباشرا عن الاستعمار ومؤامراته، وكانت أطراف الصراع واضحة، وسياستهم تجاهنا اكثر وضوحا، فكانت الولايات المتحدة ومعها الدول الاستعمارية تواجهنا بسياسات معلنة، وكنا نحن أيضا نواجهها بسياسات معلنة.

صحيح أن الاستعمار تآمر علنيا ضدنا وضد غيرنا عبر خطط وسياسات كثيرة سواء فى مواجهة الشرق الاشتراكى، أو الشرق العربى، وهو أمر يختلف تماما عن أن نقول إن هناك مؤامرة عالمية تقف وراء سقوط الطائرة المصرية، أو إن روسيا حليفتنا انضمت للمتآمرين حين منعت مواطنيها من السفر لمصر، بعد أن مات منهم أكثر من 200 شخص من طائرة خرجت من مطار شرم الشيخ، وأشار الرئيس إلى أنها سقطت بسبب عمل إرهابى، أو اعتبار أن هناك مؤامرة كونية كبرى، لأن هناك شابا إيطاليا قُتل على أرضنا ولم نقدم دليل براءتنا فى هذه القضية، فهذه كلها أمور لها علاقة بالأداء وفهمنا للصراعات الدولية وحسابات القوى الكبرى ومصالحها وليس «بحديث المؤامرة» الذى يجرى دائما فى الظلام لتبرير عجزنا.

يقينا الغرب يترصد أخطاءنا، ويفضل أن نبقى فى مرحلة «التلصيم»، فلا نسقط وننهار ولا نتقدم وننهض، أو على الأقل يعتبر تقدمنا قضيتنا وليست قضيته، فالمهم ألا نُصدِّر له إرهابيين أو لاجئين.

والحقيقة أن استدعاء المؤامرة الدولية بهذا الشكل القاصر والمخل مع كل حادثة أو أزمة يبعدنا عن مناقشة أسبابها الحقيقية، ومعالجة أوجه القصور التى تسبب فيها، فحوادث الطائرات مجال مفتوح لصراع بين مصالح كبرى يدفع فيها كل طرف مسار التحقيق فى اتجاه يحقق مصالحه.

والمعروف أن حوادث الطيران المصرية شهدت أكثر من مرة تجاذبا كبيرا بين الحكومة المصرية والشركات العالمية الكبرى والقوى النافذة التى تدعمها، فقد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى حديث للرئيس الأسبق حسنى مبارك، تعليقا على حادث سقوط الطائرة المصرية القادمة من نيويورك، وكيف أنه واجه خطابا غربيا واضحا سعى إلى إثبات أن الحادثة وقعت بسبب انتحار الطيار المصرى الراحل «البطوطى»، وتحدث مبارك فى هذا الشريط عن مواجهته هذا الاتجاه بقوة، ورفضه الحجج التى ساقها، ودخلت مصر كلها وليس «مصر للطيران» معركة معلنة من أجل نفى فرضية انتحار الطيار، التى تبرئ الشركة المصنعة من الخطأ الفنى الذى قد يكون السبب وراء سقوط الطائرة.

وتكرر الأمر مرة أخرى مع سقوط طائرة مصر للطيران القادمة من باريس، وشاهدنا خطابا عاقلا وواضحا للرئيس السيسى فى دمياط حول الحادث و«أنه لا شىء يمكن أن نخبئه عن الناس»، ومع ذلك ظل البعض يردد نظرية المؤامرة الكونية دون أى فهم أو إشارة إلى أن هناك صراع مصالح بين أطراف كثيرة، وأن مهمتنا الاشتباك معه من أجل الدفاع عن مصالحنا.

إن استدعاء قضية المؤامرة الغربية- بدلا من امتلاك أدوات إدارة الصراع الدولى السياسية والقانونية والإعلامية وليس الكلام الفارغ- يدل على أننا لا نسير فى الطريق الصحيح، ففى المرحلة الأولى كنا فى عصر وسياق أكبر اسمه «التحرر الوطنى»، وكان الشعب المصرى مستعدا للتضحية وتحمل الحصار والحروب من أجل نَيْل استقلاله وحريته مثله مثل كل الشعوب التى عانت من نير الاستعمار، أما الآن فنحن أمام صراع سياسى ومهنى وقانونى لإثبات ما هو حق، ودحض ما هو باطل.

نحتاج إلى حديث مهنى لا هتافات عشوائية، لأن الاعتراف بأوجه القصور ومعالجتها أمر فى صالحنا وليس مؤامرة ضدنا، وأن الصراخ والصوت العالى سينقلنا من فشل إلى فشل أكبر.

كارثة ضرب السياحة فى سيناء هى كارثة وطنية بكل معنى الكلمة، وسقوط الطائرة المصرية فى البحر المتوسط هى كارثة إنسانية ووطنية أيضا، ومهمتنا أن نخوض معركة الحقيقة والمهنية والشفافية القادرة على أن تعدل أى خلل فى ميزان القوى بيننا وبين قوى المصالح الكبرى، خاصة أن الكلام عن احتمال انتحار الطيار المصرى لم يَنَلْ ثقة أحد لا عندنا ولا فى الغرب، لأنه فى الحقيقة «كلام فارغ».

يمكن أن ننتصر فى معركة الطائرة المنكوبة مع قوى المصالح الكبرى إذا أَحْسَنَّا استخدام أدوات الصراع، ولم نوظف نظرية المؤامرة بهذا الشكل الخائب الذى يفعله البعض.

arabstoday

GMT 15:55 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

ماذا بعد انتهاء الحرب؟!

GMT 08:55 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الاعتدال الفاعل

GMT 18:48 2023 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصريحات نتنياهو

GMT 17:18 2023 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

عودة للحروب الوطنية

GMT 08:40 2023 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوظيف الخائب لنظرية المؤامرة التوظيف الخائب لنظرية المؤامرة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab