بقلم - عمرو الشوبكي
صادمة تصريحات بعض المسؤولين حين تتصور أن الوطنية هى شعارات صوتها عالٍ أو أغانٍ وهتافات تعلن الدفاع عن مصر والانتماء لها بالقول والكلام.
وقد شهدنا نماذج كثيرة «لإعلان الوطنية» ترجمت بتصريح وإشارة «قطع رقبة من يجيب سيرة مصر» أو ما سبق وأعلنته وزيره الصحة (نحمد لله أنها لم تنفذ وعدها) بعزف السلام الوطنى فى المستشفيات، وتلاوة الأطباء لقسم ممارسة المهنة، وغيرها من تصريحات كثيرة للعديد من المسؤولين كان فيها من الحماس الشكلى والصوت العالى أكثر من أى مضمون.
والحقيقة أن الوطنية قيمة عليا وانتماء اختيارى لأبناء أى شعب يعيش فى وطن صنع من خلاله تاريخه وصاغ أحلامه وطموحاته، وبصرف النظر عن اتفاقه واختلافه مع نظامه السياسى وهى فى النهاية لا تصنع بتوجيه، ولا يمكن لمسؤول أن يتصور بحكم وظيفته أنه أكثر وطنية من باقى المواطنين، أو أنه قادر على إعطاء أوامر للناس لكى يصبحوا وطنيين مدافعين عن بلدهم، فهذا شعور فطرى يؤمن به كل الأسوياء فى أى بلد فى العالم.
إن كل الدول الجادة من الصين الشيوعية حتى أمريكا الرأسمالية تترجم وطنيتها بإنجازات تجرى على الأرض فى الصحة والتعليم والاقتصاد لا بالقول كما جرى عندنا مع مسؤولين أدينوا فى قضايا فساد وهم يطالبون مرؤوسيهم بترديد أغنية: «ما تقولش إيه إديتنا مصر قول حندى إيه لمصر».
مدرسة الشكل على حساب الجوهر، واللقطة على حساب المضمون، اعتبرها البعض نمط حياة، واختارها البعض الآخر لكى يخفى عيوب المضمون، فمشاكلنا السياسية والاجتماعية والثقافية تحتاج إلى برامج عمل ونقاش عام حقيقى حول أولوياتها لا تصوير كل نقد على أنه مؤامرة، فالفارق واضح فى الشكل والمضمون بين المتآمرين الشامتين فى مشاكل الوطن وأزماته وبين الإصلاحيين الذين يرغبون فى إصلاح مساره وتصويب أى أخطاء.
الوطنية الزائفة مثل التدين الزائف هى نمط من التفكير وجد لكى يخفى العيوب فهو ينقلك إلى ساحة المطلقات والعموميات والشعارات التى تخيف الناس عن مناقشة المشكلات، لأن الوطنية هنا انتقلت من كونها قيمًا ومبادئ تترجم فى عمل جاد من أجل تقدم الوطن، إلى أغان وشعارات لإخفاء عدم العمل.
فكل من يبدأ عمله فى وزارته أو مؤسسته بالاهتمام بسلة الشكليات: دهان المبنى تغيير الأثاث، الشعارات المعلقة على الجدران، النشيد والأغانى الوطنية، تأكد أنه يخفى عجزه عن القيام بعمله المهنى على أكمل وجه برفعه هذه الشعارات.
الوطنية قيمة عليا يختارها المجتمع بإرادته الحرة، والمصريون شعب وطنى ومحب لبلده بالفطرة، والتحديات التى نواجهها فى مساحة أخرى تتعلق بآليات العمل والرؤى والبرامج المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية وليست وطنية الشعب من عدمه.