بقلم - عمرو الشوبكي
بدت ألمانيا وكأنها تغرد خارج السرب الأوروبى فى قضية الهجرة، وهى البلد الوحيد الذى استقبل أكثر من مليون لاجئ سورى عقب اندلاع أحداث الانتفاضة والحرب السورية، كما أنها أصدرت هذا العام قانونًا جديدًا يستهدف استقبال مليون مهاجر جديد وفق مجموعة من المعايير لجذب العمالة الماهرة.
وقد وصف المستشار الألمانى هذا القانون بأنه «الأفضل فى العالم»، ووصفته وزيرة الداخلية بأنه «تاريخى» ويقتفى أثر قوانين أثبتت جدارتها فى دول أخرى، أبرزها كندا التى تمكنت من جذب أفضل العقول من حول العالم.
وعندما قدمت أحزاب الائتلاف الحكومى (الاشتراكيون الديمقراطيون والخضر والليبراليون) مشروع القرار أمام البرلمان (بوندستاج) ونجحت فى تمريره، لم تجرؤ أحزاب المعارضة المحافظة على الطعن فى فحواه، واكتفت بانتقاد بعض تفاصيله شعبويًا، كالقول إنه سيشجع «هجرة الفقراء» ويترك الاقتصاد الأكبر فى أوروبا فى محنته.
وقد اعتبرت أهم المعاهد الاقتصادية فى ألمانيا أن مشكلة نقص العمالة الماهرة تعد أبرز عقبة تقف فى وجه النمو الاقتصادى الألمانى والحفاظ على رخاء اكتسبته بجدارة بعد الحرب العالمية الثانية، فقد أشارت على سبيل المثال غرفة التجارة والصناعة الألمانية إلى أن القطاعات الاقتصادية المختلفة ستحتاج حتى عام 2035 إلى 7 ملايين موظف جديد، وأن عدد المهن التى تعانى نقص العمالة الماهرة ارتفع من 148 إلى 200 مهنة، وأن نسبة فرص العمل التى أخفقت الشركات فى ملئها بسبب نقص العمالة الماهرة بلغت 50%.
والحقيقة أن ألمانيا مثل معظم الدول الأوروبية تعانى من نقص عمالة فى مهن كثيرة، خاصة مجال البناء والطب، وأيضًا كثير من المهن الزراعية، لكن الفارق أن هذه البلدان تخضع جميعها لابتزاز قوى اليمين المتطرف، وتضطر ألا تعلن حقيقية احتياجات سوق العمل حتى لا تتهم بتشجيع الهجرة.
اللافت أن القانون الجديد اعتمد على «نظام النقاط» من أجل تقييم أهلية طالب الهجرة ووضع 5 معايير، هى: العمر، والتأهيل العلمى، وإتقان الألمانية، والخبرات المهنية، والعلاقة مع ألمانيا، وعلى «بطاقة الفرص» التى تمنح للأجنبى الحق فى البحث عن فرصة عمل لمدة عام كامل، وهو تحول كبير، وعكس تقريبًا قانون الهجرة الفرنسى الذى وضع قيودًا على الراغبين للهجرة إلى فرنسا ويتشدد تجاه المقيمين داخلها.
كما خفف القانون من الإجراءات البيروقراطية من أجل الحصول على تأشيرة دخول لألمانيا، ونصَّ على لم شمل العائلات رغم تحفظ تيارات اليمين المتطرف عليها.
يقينًا قضية الهجرة فى أوروبا ليست فقط أو أساسًا قضية اقتصادية وسوقًا وعرضًا وطلبًا ولكن لها بعد سياسى واضح، وأن معظم الحكومات الأوروبية باستثناء ألمانيا باتت تخضع لخطاب قوى اليمين المتطرف وتحرص على عدم الدخول فى مواجهة مفتوحة معه حتى لا تخسر جزءًا من جمهورها الذى يقف على حدود خطاب اليمين المتطرف.