بقلم : عمرو الشوبكي
مَثّل انسحاب القوات الأمريكية من شمال سورية مفاجأة غير متوقَّعة للبعض، فى حين اعتبره البعض الآخر دليلًا على صحة جملة الرئيس الأسبق حسنى مبارك: «المتغطى بأمريكا عريان»، حيث اعتمد الأكراد على الدعم الأمريكى حتى تخلَّت عنهم الأخيرة فى اللحظة الحاسمة، وتركتهم وحدهم أمام هجوم الجيش التركى.
والحقيقة أن قضية الأكراد فى الشرق الأوسط قضية معقدة، وأن دول المنطقة فشلت فى التعامل معهم، سواء بدمجهم داخل دولهم الوطنية، مع إعطائهم حكمًا ذاتيًا وحقوقًا ثقافية ولغوية (فيما عدا العراق)، أو بإعطائهم حق تقرير المصير، وهو أمر ظل من المحرمات بالنسبة لكل دول المنطقة.
وقد عانى الأكراد فى تركيا تعصبًا قوميًا بغيضًا، رغم إعطاء الحكومة التركية بعض الحقوق الثقافية للأكراد فى بداية وصولها إلى السلطة، سرعان ما تراجعت عنها مع سنوات الحكم الطويلة لـ«أردوجان».
والحقيقة أن الهجوم التركى على مناطق الأكراد فى شمال سوريا كان يمكن تلافيه لو كان ترامب جادًا فى الضغط على كل من الجانبين التركى والكردى معًا للوصول إلى تفاهمات تضمن وجود منطقة عازلة على حدود تركيا، خاصة فى ظل تحالف القوات الكردية مع حزب العمال الكردى، الذى تصنفه أنقرة إرهابيًا، كما أن «أردوجان» أصر على غزو سوريا بصورة بدت لافتة، رغم أزماته الاقتصادية والسياسية!!.
إن الهجوم التركى على أكراد سوريا لا يهدف فقط، كما يقول «أردوجان»، إلى إنشاء منطقة عازلة تضمن أمن بلاده القومى لأنه لو كان ذلك الهدف الوحيد لكان يمكن تلافى الحرب والوصول إلى تفاهمات دبلوماسية، إنما يبدو أن أحد الأهداف غير المعلنة لهذه الحرب هو توطين جزء من اللاجئين السوريين الموجودين فى تركيا (بلغوا حوالى 3 ملايين لاجئ) فى هذا الشريط الحدودى، خاصة مع بدء ترحيل السلطات التركية آلاف السوريين الموجودين على أرضها، والتى تقول إنهم غير مُسجَّلين بشكل رسمى.
تركيا ترغب فى توظيف المنطقة العازلة التى تنوى إنشاءها على الشريط الحدودى فى قضية اللاجئين، التى سبق أن ابْتَزّت بها الجانب الأوروبى للحصول على دعم مالى كبير فى مقابل بقائهم على أرضها، ومع تزايد أزمات تركيا الاقتصادية بدأت تخطط فى ترحيل اللاجئين إلى منطقة سورية عازلة.
إما أن الولايات المتحدة فقط لديها رغبة دفينة فى توريط تركيا فى حرب طويلة تستنزفها وتدفعها إلى تقديم تنازلات فى ملف علاقتها بالغرب، أو أن ترامب نفذ تعهداته بالانسحاب من الشرق الأوسط والتخلى عن أى حليف مادام لا يأخذ مقابلًا ماديًا للوجود الأمريكى.
المؤكد أن المدنيين فى هذه المناطق سيدفعون ثمنًا باهظًا للحروب بالوكالة التى تجرى فى كثير من بلداننا العربية، وأن الانسحاب الأمريكى والتمدد التركى يعنيان أن العرب مازالوا خارج دائرة الفعل والتأثير، حتى فى قضاياهم.