بقلم - عمرو الشوبكي
فكّرتنى الأحداث التى تجرى فى العالم العربى، خاصة فى ليبيا، بورقة بحثية سبق أن نشرتها فى كتاب أصدره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، منذ حوالى 3 سنوات، وحملت عنوان: «الدولة الوطنية فى مواجهة تنظيمات ما دون الدولة»، وأذكر أنى لم أكن مرتاحًا لكتابة ورقة أضع فيها الدولة الوطنية فى مواجهة مع تنظيمات، فالدولة تواجه دولًا وفق التصور الذى تربى عليه جيلى، ولكنى اخترت الجانب العلمى على اعتبار أن مهمة الباحث أو الكاتب هى دراسة أى ظاهرة بصرف النظر عن موقفه منها.
والمؤكد أن ظاهرة تنظيمات ما دون الدولة أصبحت واقعًا مقلقًا فى عالمنا العربى من لبنان حيث حزب الله، والعراق حيث الحشد الشعبى والميليشيات الشيعية المدعومة من الدولة، وحيث أيضًا تنظيم داعش الذى تحاربه الدولة، وفى ليبيا ظهرت ميليشيات فجر ليبيا الإخوانية فى طرابلس ومعها خليط من التنظيمات المسلحة، التى أصبحت موجودة فى شرق ليبيا وغربها.
الوضع فى ليبيا ليس مثل مصر والجزائر وتونس والمغرب، حيث توجد فى هذه البلدان دولة وطنية راسخة، صحيح أنها واجهت تهديدات وجودية فى مصر فى عهد الإخوان، ولكنها تجاوزتها، وأصبحت معظم المشاكل التى تواجهها لها علاقة بالأداء والكفاءة وتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية، أما ليبيا فلا توجد فيها دولة وطنية، إنما طغى فيها نظام القذافى على الدولة وحوّل مؤسساتها إلى ملحق تابع لنظامه، وحين سقط النظام سقطت الدولة وعاشت البلاد عصر الميليشيات والحرب الأهلية.
ومع ذلك تظل قوات «حفتر» الأقرب إلى بناء مؤسسة عسكرية، يمكن أن تكون عماد الدولة الوطنية الليبية فى المستقبل، وليست جيش النظام مثلما فعل القذافى.
والحقيقة أن ثنائية دولة وتنظيمات فيها حاجة غلط لأن الطبيعى أن يجتمع الجميع أو يختلفوا تحت مظلة الدولة الوطنية ومؤسساتها، لا أن تنشغل الأخيرة بمحاربة تنظيمات مسلحة.
ولكى نتجاوز هذه الثنائية، علينا أن نعود مرة أخرى إلى أسباب صعود هذه التنظيمات وجوانب الخلل فى أداء دولنا الوطنية، والتى ساعدت على صعودها، بعيدًا عن نظريات المؤامرة التى نعلق عليها أخطاء كثيرة.
يقينًا لو كان فى ليبيا جيش وطنى مثلما هو موجود لدى جيرانها وليست قوات القذافى وكتائبه لما وصل الحال فى ليبيا إلى ما هى عليه الآن مهما كانت التحديات الداخلية والخارجية.
علينا أن نُخرج ليبيا من معادلة سوريا فى المقارنة بين النظام السيئ والتنظيمات الأسوأ، وذلك بالعمل على أن تمتلك قوات «حفتر» أدوات سياسية يخترق بها طرابلس ويجذب القبائل والرافضين لحكم الميليشيات، وأن تكون لديه ملامح مشروع سياسى يقوم على بناء الدولة الوطنية الليبية، ولكن أيضًا يقدم صيغة جديدة تعمل على تفكيك الثنائية الحالية بتجفيف المنابع التى أدت إلى ظهور التنظيمات المسلحة ببناء دولة قانون ومؤسسات عادلة.