بقلم - عمرو الشوبكي
مدهش أن يصر البعض على رفض التجربة التونسية بل وتمنى الفشل لها على ضوء الخبرة المصرية، والحقيقة أن نجاح التجربة التونسية فى جانب الانتقال الديمقراطى مؤكد، والتحديات التى تواجهها كثيرة لكنها فى معظمها بعيدة عن ثنائية الإخوان والدولة الوطنية.
وقد اعتبر البعض أن التجربة التونسية وصلت لنهايتها بوصول زعيم حركة النهضة راشد الغنوشى لرئاسة البرلمان، وأن ذلك بداية أخونة تونس ونهاية التجربة الديمقراطية.
والحقيقة أن الفارق الكبير والجذرى بين نهضة تونس وإخوان مصر أن الأولى فاعل سياسى وحزب مدنى يتمسك بمرجعيته الإسلامية وفق الدستور والقانون، على عكس تنظيم الإخوان الذى تأسس باعتباره جماعة دينية عقائدية لها ذراع سياسية، كحزب يدار من داخل كواليس الجماعة وليس من صفوف أعضائه.
الإخوان جماعة دينية عقائدية مغلقة اعتبرت نفسها فوق الدولة والقانون، ورفضت أن تصبح جماعة أهلية دينية قانونية لا تمارس السياسة، إنما اعتبرت نفسها «جماعة ربانية» تحمل مشروع تمكين أبدى للسلطة وليس مشروع تداول للسلطة مثلما حدث مع نهضة تونس.
نهضة تونس، كما حزب العدالة والتنمية فى المغرب، هى أحزاب مدنية يمكن حصارها ومواجهتها من خلال العملية السياسية على عكس الجماعات الدينية (إخوان وغيرها) لا يمكن دمجها فى أى عملية سياسية وانتقال ديمقراطى.
تجربة تونس مشكلتها ليست فى وجود رئيس حركة النهضة على قمة البرلمان، ولا فى وجود حزبه فى صدارة المشهد السياسى، إنما فى غياب الفاعلية عن النظام السياسى وقدرته على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، وفقدان ثقة قطاع واسع من الشباب فى الطبقة السياسية الحاكمة بكل أطيافها كما هو الحال فى معظم البلاد العربية.
والحقيقة أن إحدى أزمات النظام السياسى التونسى الذى أجرى انتخابات ديمقراطية أسفرت عن برلمان ورئيس جديد، هى فى ضعف صلاحيات رئيس الجمهورية مقارنة بالنظم الرئاسية الديمقراطية، وهو تناقض غير مفهوم لأن البلاد حين تنتخب الرئيس من الشعب فهذا يعنى أنها اختارت نظاما رئاسيا لأن الشعب الذى ينتخب مباشرة رئيسه ينتظر منه الكثير، فى حين أن فى حالة تونس مصدر السلطة الرئيسى مازال البرلمان ورئيس الحكومة فى تناقض ضار.
تونس أمامها تحد كبير هو فى عدم قدرة الرئيس المنتخب بأغلبية كاسحة على إجراء أى إصلاحات فى بنية نظامه السياسى أو حتى فى تنفيذ برنامجه الانتخابى، خاصة ما يتعلق بدعم «لا مركزية» إعطاء صلاحيات للمحليات، بما يعنى فقدان ثقة قطاع كبير من الجماهير التى اختارته (ولم يفعل شيئا) فى مجمل العملية السياسية.
تونس مثل بلاد كثيرة لديها مشاكل فى جانب، وبعضنا يصر أن يراها فى جانب آخر محلى ضيق.
معارضة حركة النهضة أمر طبيعى، لكن تمنى الفشل لتجربة الانتقال الديمقراطى الوحيدة فى العالم العربى هو غير الطبيعى.