بقلم - عمرو الشوبكي
يركز الكثيرون فى تجارب الانتفاضات العربية على المعارضين من المحتجين فى الساحات والميادين، وهو طبيعى لأنهم يمثلون الكتلة المتحركة من الشعب، وهم مصدر الخبر والحدث، ولكن هذا لا يعنى تجاهل القوى الأخرى المؤيدة للاستقرار، والتى ترفض انتفاضات الشارع واحتجاجاته وتؤيد حكم الفرد الذى اعتادوا عليه على طريقة مَن نعرفه أفضل ممن لا نعرفه.
صحيح لا يمكن وضع كل المؤيدين فى البلاد العربية فى سلة واحدة، إلا أن وجودهم فى كل البلدان أمر مؤكد لا يمكن تجاهله. فى بلد مثل السودان كان هناك جمهور للمجلس العسكرى السودانى يستقبله بالهتاف والتأييد فى عز الثورة، وفى الجزائر هناك جزء من الشعب يشارك بحماس فى الانتخابات الرئاسية، واعتاد أن يعتبر كل ما تقوله الدولة هو الصحيح حتى لو كان مَن يقول العكس جزءًا من الشعب أيضًا.
والحقيقة أن أى مُشاهد مُدقِّق لتحركات الجماهير فى العالم العربى سيعرف فورًا هوية كل طرف بمجرد مشاهدة صورهم فى الشارع، فصور مَن يذهبون وراء المرشحين فى انتخابات الجزائر ستوضح فورًا أنهم ينتمون إلى هذا الفريق من وجوههم وطريقة تأييدهم، تمامًا مثلما ستعرف فورًا هوية المشاركين فى الحراك دون الحاجة إلى أن يخبرك أحد.
هناك فارق ثقافى واجتماعى واختلاف فى نمط الحياة بين الجانبين، وهو لا يعنى حكمًا قيميًا على أيهما، فلا كل المؤيدين المستقرين انتهازيون ومنافقو سلطة، ولا كل المعارضين منحلون وعملاء وينفذون أجندات خارجية، فالغالبية العظمى من جمهورى الاثنين تعبر عن جانب أصيل فى المجتمع بتنوعاته المختلفة.
إن المؤيدين موجودون فى كل تجارب الحراك العربية فى السودان مع المجلس العسكرى، وشرحه فى الجزائر، وقبلهما فى تونس حين شكّل مؤيدو النظام القديم القوام الرئيسى لأغلب الأحزاب المدنية، وأيضًا فى مصر حين عبّر تيار واسع من الشعب عن تمسكه بالاستقرار، الذى مثّله بمبارك ورفض الخيارات الثورية ومال طوال الفترة الانتقالية التى أعقبت ثورة يناير إلى تأييد قوى الاستقرار، مُمثَّلة أساسًا فى المجلس العسكرى.
وحتى لبنان، البلد العربى الأكثر انفتاحًا من الجميع، ظهر فيه تيار واسع من مؤيدى الرئيس عون، نزلوا إلى الشوارع والميادين، كما ظهر مَن يؤيدون الحراك ولكنهم يؤيدون أكثر عودة الحياة الطبيعية، ولا يرتاحون لقطع الطرقات، وخائفون من الانهيار الاقتصادى والفوضى، وهؤلاء عابرون للطوائف ويحتمون بالجيش ويرفضون فى نفس الوقت أساليب ميليشيات حزب الله وأمل فى ترويع المتظاهرين السلميين.
فرص نجاح أى تجربة حراك شعبى فى العالم العربى ستكون فى قدرته على بناء منظومة سياسية جديدة تحول المحتجين إلى بَنّائين، وأغلب الثوار إلى إصلاحيين، وتُحوِّل المؤيدين إلى قوى محافظة تؤمن بدور الشعب، ولا ترتكن على مؤسسات الدولة، إنما على قدرتها على الفعل والتأثير.