بقلم - عمرو الشوبكي
شهدت فرنسا يوم الخميس الماضى واحدًا من أكثر إضراباتها قوة وانتشارًا، لم يفقه إلا إضراب عام 1995، وذلك اعتراضًا على الإصلاحات التى ينوى الرئيس إيمانويل ماكرون القيام بها الخاصة بنظام التقاعد.
وتتسم الحركات الاجتماعية فى فرنسا بالقوة والحيوية والقدرة على التعبئة والحشد، مقارنة بمعظم البلاد الأوروبية، كما أن اللجوء لسلاح الإضراب أمر متكرر فى فرنسا مقارنة بألمانيا وبلاد الشمال الأوروبى.
وتاريخ فرنسا حافل باحتجاجات اليسار والقوى الثورية (ثورة الطلاب فى 68 وغيرها) طوال القرن الماضى، لكنها عرفت أيضا احتجاجات القوى الاجتماعية أو ما يمكن وصفه باحتجاجات اليسار الاجتماعى الممثل فى النقابات، وجماعات مطلبية تدافع عن حقوق الناس فى السكن ونظام التقاعد والرواتب العادلة.
والحقيقة أن السبب الرئيسى للإضراب الحالى هو رغبة الرئيس الفرنسى فى إصلاح نظام التقاعد، وهو امتداد لنفس المحاولة التى قام بها الرئيس الراحل جاك شيراك فى عام 1995 وتراجع عنها بعد موجة احتجاجات عارمة اجتاحت البلاد.
مضمون هذه الإصلاحات، كما تصفها الحكومة، هو توحيد نظام التقاعد، حيث يوجد فى فرنسا 42 نظاما مختلفا للتقاعد حسب المهن والوظائف والفئات الحكومية، ويرغب ماكرون، وحكومته، أن يوحدها أو على الأقل يجعل التفاوت بينها فى أقل حد ممكن، لأن الوضع الحالى يكلف الحكومة كل عام ما يقرب من 8 مليارات يورو، وهو مبلغ تقول الحكومة إنها لم تعد قادرة على تحمله.
وقد بدا لافتًا المشاركة الفاعلة للعاملين فى السكك الحديدية فى الإضراب، لسبب بسيط، أن هؤلاء يتقاضون حوافز وبدلات أعلى من غيرهم، ولديهم نظام للتقاعد أفضل من فئات كثيرة، فى حين تقول الحكومة إن جانبا من هذه البدلات يسمى «بدل الفحم»، والذى وضع فى قانون صدر عام 1945، ويعطى بدلات خاصة لسائقى القطارات نظير تحملهم مخاطر قيادة قطارات تسير بالفحم، والآن أصبحت القطارات تدار بأحدث أنواع التكنولوجيا وأصبح الفحم ذكرى فكيف يتم إعطاؤهم هذه البدلات؟
أما سن التقاعد فكان 50 عاما ويحصل فيه السائقون على مستحقاتهم كاملة نظير ما يتحملونه من مشقة فى مواعيد العمل وغياب إجازات «الويك إند» والعمل فى أى موعد، وهو ما تنوى الحكومة رفعه أيضا.
إضراب السكك الحديدية وصل إلى 90% وهو أعلى نسبة مشاركة لهذا القطاع فى أى إضراب فى تاريخ فرنسا، والسبب واضح أنه من أكثر القطاعات التى ستتضرر من جراء هذه الإصلاحات.
يقينًا إضرابات فرنسا ليست بالحدث العابر أو السهل لأنها تأتى فى ظل وجود احتجاجات السترات الصفراء على النظام السياسى برمته، وجاءت الاحتجاجات المطلبية المدعومة من نقابات وحركات اجتماعية قوية لا تمثل فقط صوتًا احتجاجيًا رافضًا، إنما لديها بدائل اجتماعية لمشاريع ماكرون السياسية والاقتصادية.