رحل كاسترو

رحل كاسترو

رحل كاسترو

 السعودية اليوم -

رحل كاسترو

بقلم : عمرو الشوبكي

لم يخطئ عمرو موسى حين وصف الزعيم فيدل كاسترو بأنه واحد من أعظم زعماء العالم فى القرن العشرين، وكان دقيقاً حين أضاف «فى القرن العشرين» بما يعنى أن الرجل لا يمكن الحكم عليه إلا فى سياق العصر الذى عاش فيه.

صحيح اختلف الكثيرون مع توجهات كاسترو السياسية والاقتصادية، واعتبر أيضا أنه ينتمى لمدرسة سياسية اختفت تقريباً من العالم وصارت مرادفاً للاستبداد وغياب الديمقراطية، إلا أن ذلك لم ينف حقيقة أن كاسترو كان زعيماً عملاقاً ومؤثراً وألهم دولاً كثيرة من بلاد العالم الثالث، وهو أحد أهم رموز التحرر الوطنى فى العالم أجمع، ونجح فى بناء دولة عصرية (غير ديمقراطية قطعا) تقدمت فى مجالات كثيرة فى الصناعة والزراعة وحققت طفرات حقيقية فى مجال الطب ونجاحات فى الرياضة وقضت على الأمية فى سنوات معدودة وبنت نظاما اشتراكيا صمد مع الزمن، رغم انهيار كل النظم الرفيقة فى أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتى.

وقد وصل كاسترو إلى السلطة عام 1959 بعد أن قاد ثورة مسلحة أسقطت نظام باتيستا، التابع لأمريكا، وقطعت الأخيرة علاقتها مع كوبا منذ 1961، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية صارمة استمرت تقريبا نصف قرن حتى جاء الرئيس أوباما ليوقع اتفاق مصالحة مع كوبا منهياً قطيعة العقود الخمسة.

وقد تكون المعركة الكبرى التى شهدها العالم فى القرن الماضى وكادت تودى لحرب عالمية ثالثة وكان كاسترو هو محورها، هى ما عرفت بأزمة خليج الخنازير حين حاولت الولايات المتحدة إسقاط النظام الشيوعى فى كوبا، من خلال تجنيد جيش خاص من الكوبيين المنفيين لاجتياح البلاد، ونجحت القوات الحكومية فى هزيمة المهاجمين وقتل العديد منهم واعتقال حوالى ألف شخص.

وعقب هذا الهجوم الأمريكى بعام واحد وافق كاسترو على نشر صواريخ سوفيتية نووية فى بلاده على مسافة أقل من 9 أميال من سواحل الولايات المتحدة، وفى أكتوبر 1962 اكتشفت طائرات تجسس أمريكية منصات الصواريخ السوفيتية، وهددت الأخيرة بضربها وتصاعد الأمر حتى أصبح العالم على شفى مواجهة حقيقية بين الدولتين، ولكنهما نجحا فى أعقابها إلى التوصل إلى تسوية، سحبت موسكو بموجبها صواريخها مقابل تعهد أمريكى بعدم غزو كوبا وهو ما حدث.

يقيناً معركة كاسترو مع الاستعمار كانت معركة حقيقية فى وقت انقسم فيه العالم بين قوى اشتراكية ورأسمالية، وحين يكون تدخل أمريكا خشناً بهذه الطريقة ويستخدم الغزو العسكرى المباشر لمواجهة نظام كاسترو، أو كما حدث فى شيلى بترتيب انقلاب عسكرى ضد الرئيس الاشتراكى المنتخب سلفادور الليندى وقتله، فهذا يعنى أن أساليب المواجهة ستكون خشنة أيضاً وأن النظم التى ستواجه الاستعمار المباشر لن تكون ليبرالية ناعمة وهو ما جرى فى كل بلاد العالم الثالث (باستثناء الهند) لأن التحدى الأساسى كان التحرر من الاستعمار وليس الديمقراطية، وبهذا المعنى فإن كاسترو كان زعيماً عظيماً مثل عبدالناصر وتيتو ونهرو وكل قادة التحرر الوطنى ودول عدم الانحياز فى أفريقيا وأمريكا الجنوبية.

لذا سنجد أن كل من حاول أن يستنسخ تجارب هى بنت عصرها (ببطولاته وإخفاقاتها) فشل، فلا يمكن أن تحول تحدى العصر الحالى فى بناء دولة القانون والعدالة والديمقراطية إلى شعارات فارغة ومؤامرات دولية، ففى الوقت الذى كانت فيه أمريكا تغزو كوبا وتعلن فرنسا وبريطانيا وإسرائيل الحرب على مصر فى 56 كان من الطبيعى أن يُبنى نظام سياسى قائم على الكل فى واحد لمواجهة الاستعمار والمؤامرات الدولية، ولكن حين تكون فى عصر تسعى فيه لدعم الدول الكبرى (أمريكا وأوروبا) لكى تحصل على قرض البنك الدولى والاستثمارات الأجنبية ثم تقول إنهم يتآمرون علينا، فنصبح أمام حالة نادرة من عدم الاتساق السياسى تجعل هذا النوع من التفكير لا مستقبل له.

arabstoday

GMT 15:55 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

ماذا بعد انتهاء الحرب؟!

GMT 08:55 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الاعتدال الفاعل

GMT 18:48 2023 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصريحات نتنياهو

GMT 17:18 2023 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

عودة للحروب الوطنية

GMT 08:40 2023 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحل كاسترو رحل كاسترو



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab