الكلام الفارغ لا يبني وطناً

الكلام الفارغ لا يبني وطناً

الكلام الفارغ لا يبني وطناً

 السعودية اليوم -

الكلام الفارغ لا يبني وطناً

بقلم : عمرو الشوبكي

اعتبر الكثيرون فى الغرب والشرق أن هناك موجة وطنية جديدة، تعمقت بعد فوز ترامب، ترفض النخب السياسية التقليدية، وترفض العولمة، وتستدعى المشاعر الوطنية (وأحيانا الدينية)، فى مواجهة المهاجرين الأجانب حتى لو كانت فى بلد نشأ على الهجرة والمهاجرين، مثل أمريكا.

والحقيقة أن من بين عشرات الكتابات التى خرجت لتتحدث عن ترامب وتصاعد اليمين الوطنى المتشدد ما كتبه كريستيان كاريل (Christian Cary) عشية الانتخابات الأمريكية فى مجلة الفورن بوليس الشهيرة، وحمل عنوان «ترامب أصبح موضة عالمية».

وجاء فيه أن هناك طبعات مختلفة لليمين المتطرف فى العالم، فهناك قوى اليمين المتطرف فى أوروبا وأمريكا، وهناك السيسى فى مصر (الذى انتقده الكاتب) وهناك رئيس الفلبين رودريجو دوتيرتى، بجانب رجب طيب أردوغان الذى وصفه الكاتب أنه كان يمثل نموذجا للديمقراطية الإسلامية إلى أن أصبح يرسخ حكمه بتدمير مؤسسات بلاده الدستورية، كما وضع نتائج الاستفتاء على الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى (Brexit) مؤشرا على عمق تأثير خطاب اليمين المتطرف فى العالم كله.

وأضاف الكاتب نقطة مهمة فى تفسير ظاهرة «موضة ترامب»، حين قال: «يقينا الدافع الاقتصادى هو محرك رئيسى لهذه الحركة القومية العالمية وسرعة تطور الأعمال والعولمة وتأثيراتها، ولكن لا يمكن اعتبار هذا عاملا وحيدا، فالنعرة القومية ارتفعت فى بعض البلاد مما كان للعولمة تأثيرات جليلة على تحسنها اقتصاديا، مثل بريطانيا، بولندا، والفلبين، كما يمكن إرجاع الفكر القومى الصاعد إلى عدم إحساس المواطنين بالأمان وقلقهم من التغيير السريع».

وقد اعتبر تيار يعتد به من الباحثين المدققين، وبعضهم من الشباب، بالإضافة إلى كثير من التقارير الصحفية التى خرجت عقب فوز ترامب- أن موجة 30 يونيو التى يقودها الرئيس السيسى فى مصر قابلة للبقاء عشرين أو 30 عاما (بشروط)، على اعتبار أنها جزء من حالة عالمية قامت على فشل أو تعثر النخب السياسية التقليدية حتى لو اختلف شكل هذا الفشل ودرجته من بلد لآخر.

ففى أمريكا جرى التغير فى مواجهة النخب التقليدية بطريقة ديمقراطية، وعبر انتخابات حرة تنافس فيها الحزبان التقليديان الجمهورى والديمقراطى، حتى لو كان مرشح الأول (ترامب) هو رجل أعمال قادما من خارج النخبة التقليدية الحاكمة، إلا إنه استخدم الأدوات السياسية المعروفة للوصول للسلطة، أى حزب سياسى، وانتخابات ديمقراطية، على خلاف ما جرى فى مصر، حيث إن فشل النخبة السياسية فى إدارة البلاد عقب ثورة يناير، ووصول جماعة دينية بمشروع تمكين وبقاء أبدى فى السلطة، جعل فرصة التغيير الديمقراطى عبر انتخابات رئاسية مبكرة غير واردة، فكان تدخل الجيش فى 3 يوليو وإحداث قطيعة اضطرارية مع مسار التحول الديمقراطى، وهو ما كانت له تداعيات كثيرة لم تتم معالجتها سياسيا حتى الآن. (لا علاقة له بالمصالحة مع الإخوان).

وقد امتلك المشروع السياسى المصرى قوة كبيرة فى مواجهة الإخوان، ونجح فى إدارة معركة عالمية كبرى لإقناع العالم بأن ما جرى فى مصر فى 30 يونيو كان ثورة شعبية، فى ظل موقف أمريكى رافض ما جرى فى مصر، ولعبت أسماء مثل نبيل فهمى، وزير خارجية مصر السابق، دورا كبيرا فى إحداث هذا التحول بكفاءة واضحة، (ولأن هناك كلمة كفاءة وقدرة على المبادرة استبعد فورا فى الحكومة التالية).

ورغم أن الحكم فى مصر أصبح جزءا من حالة عالمية متصاعدة، تؤكد على الوطنية ورفض العولمة (تحيا مصر شعار السيسى فى مصر، وأمريكا أولا شعار ترامب، وفرنسا أولا شعار مارين لوبان... وهكذا)، فإن الفارق الأساسى الذى يفصل بين ما يجرى فى مصر وباقى دول العالم، التى تنتمى لنفس المدرسة الوطنية المتشددة، هو فى مستوى الأداء والكفاءة، فيقينا مشكلة مصر الحالية هى فى إضاعة فرص الاستفادة من عالم، قسمٌ منه مع النظام، (على عكس الحال عقب 30 يونيو)، نتيجة انعدام الكفاءة وخطاب الكلام الفارغ الرائج محليا، حتى لو حاول الرئيس «تلطيفه» فى بعض اللقاءات الغربية بكلام دقيق ومتزن (مثل محاضرة البرتغال الأخيرة).

نعم الشعارات الوطنية قد تتقاطع بين قوى اليمين الوطنى فى مصر، وتركيا وأمريكا وأوروبا، وتفاعل كيمياء المودة بين الرئيسين المصرى والأمريكى قد يلعب أيضا دورا إيجابيا فى تحسين العلاقات بين البلدين، ولكن كل ذلك سيتبخر ما لم يُبن فى مصر مشروع سياسى يتسم بحد أدنى من الكفاءة، ولا يختزل كل هموم مصر والمنطقة والعالم فى الحرب على الإرهاب، ويرفض أى نقاش عام وأى خلاف فى وجهات النظر.

الموجة العالمية الجديدة يقينا فى صالح النظام المصرى، ولكن الأداء الذى يؤدى به سيجعله غير قادر على بناء تحالفات (لا مع ترامب، ولا مع روسيا، ولا مع السعودية)، وسيضيعها نتيجة ضعف الأداء الحكومى، وانعدام الرؤية السياسية، والحصار الأمنى للمجتمع، والتمسك بكل من هو مطيع حتى لو كان معدوم الكفاءة، حتى أصبحت صورة النخبة الحاكمة فى مصر أمام العالم شديدة السلبية.

نعم، الموجة العالمية الداعمة لخيارات مصر ليست ضعيفة، وهى فرصة لم تتكرر كثيرا فى عهودنا الجمهورية السابقة، ومع ذلك فإن الأداء الداخلى والخارجى بصورته الحالية قادر بكل سهولة على إضاعة فرصة لم تتكرر كثيرا فى تاريخنا المعاصر.

arabstoday

GMT 15:55 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

ماذا بعد انتهاء الحرب؟!

GMT 08:55 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الاعتدال الفاعل

GMT 18:48 2023 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصريحات نتنياهو

GMT 17:18 2023 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

عودة للحروب الوطنية

GMT 08:40 2023 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكلام الفارغ لا يبني وطناً الكلام الفارغ لا يبني وطناً



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab