المجتمع الفاشل

المجتمع الفاشل

المجتمع الفاشل

 السعودية اليوم -

المجتمع الفاشل

بقلم : عمرو الشوبكي

الحديث عن الدولة الفاشلة حديث علمى وسياسى متكرر، والحديث عن المجتمع الفاشل ظل خافتا ورُدد فى البداية همسا فى بعض الأوساط العلمية والسياسية، ثم تزايد الحديث مؤخرا عن الأمم الفاشلة، ولماذا تقدمت دول وتأخرت أخرى؟ ولماذا بدأت تجارب من نفس النقطة ولم تصل إلى نفس النهاية، فتقدم بعضها وتخلف بعضها الآخر، رغم البدايات الواحدة؟

تقدُّم مصر ليس حتميا، كما أن تخلفها ليس حتميا أيضا، إنما قراءة علمية لواقعها الاقتصادى والسياسى وبنيتها الاجتماعية والثقافية والمؤسسية مطلوبة لمعرفة فى أى نقطة تقف، وأى خيارات أمامها للمستقبل.

والمؤكد أن تعبير «الدولة الفاشلة» تعبير علمى يُستخدم بخصوص الدول التى تعجز عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، فتتراجع كفاءة المؤسسات وتنهار الخدمات ويغيب الأمن وتغيب الجيوش الوطنية أو تتحول إلى جيوش طوائف وقبائل.

وتجارب الدول الفاشلة كثيرة، وشهدنا مؤخرا فى العالم العربى تجارب غياب الدولة وانهيارها بالكامل، وليس فقط فشلها فى تأدية وظائفها، وصارت الدولة الفاشلة حقيقة، أما سؤال المجتمع الفاشل فظل فرضية طرحها بعض علماء الاجتماع بأدلة كثيرة، وفتح تعليق أستاذ علم الاجتماع السودانى حيدر إبراهيم، منذ 3 أعوام، فى مؤتمر بمكتبة الإسكندرية، نقاشا مستفيضا حول المفهوم ودلالته.

والحقيقة أن فى مصر، مثل أى بلد آخر، أداء الدولة وكفاءة مؤسساتها، ودرجة الشفافية والنزاهة التى تُدار بها، وطبيعة النظام السياسى- ديمقراطى أو شبه ديمقراطى أو شمولى- مسؤولة عن تشكيل وعى المجتمع وصناعة تقدمه، وأن سؤال مَن يتحمل المسؤولية على طريقة البيضة أم الدجاجة- أى الدولة والنظام الحاكم أم المجتمع- لن يحل مشكلة المجتمعات والدول المتخلفة، فيقينا مسؤولية النظم الحاكمة أساسية، إلا أنها وُجدت واستقرت فى تربة مجتمعية ساعدتها على الاستمرار، ونظرية العالِم الجزائرى، مالك بن نبى- عن «القابلية للاستعمار» المتعلقة بأوضاع الدول المأزومة، التى جعلتها قابلة لأن تُستعمر (بضم التاء)- تنسحب أيضا على «القابلية للتخلف»، أى وضعية ثقافية بائسة وأمية مرتفعة وظروف سياسية محيطة تعمق من هذا التخلف.

هناك دراسات فلسفية كثيرة عن صعود وهبوط الحضارات، وهناك دراسات سياسية كثيرة عن المجتمعات التى تقدمت وتلك التى تخلفت، وحديث علمى عما سماه الباحث الأمريكى الشهير فيليب شميتر (Philipe Schmitter) عن «الخيار الأسوأ»، أى أن يختار المجتمع- ممثلا فى فاعليه السياسيين، عقب تجارب التغيير- الخيارات الأسوأ بين كل الخيارات المطروحة، وهذا ما يصف به الكثيرون خيارات مصر عقب ثورة يناير حين سيطر خطاب المراهقة الثورية على بدايات مسار ما بعد يناير، فطالب بإسقاط دستور 71 المدنى، وعزل قيادات الحزب الوطنى، وتبنِّى المحاكمات الثورية، كل ذلك لصالح الفراغ الذى ملأه بكل سلاسة الإخوان، وقُدمت لهم البلاد على طبق من فضة ليحكموها، وأدى فشل إسقاطهم بالوسيلة الديمقراطية إلى تبنى النظرة الحالية، التى تقول إن مَن فشل هو الشعب الذى أُتيحت له فرصة عقب ثورة يناير وأهدرها، فتم إقصاء الجميع من معادلة الحكم والفعل السياسى.

يقيناً فشل المجتمع ونخبته المدنية واضح عقب ثورة يناير، ولكنه أيضا لم يكن يتحرك فى الفراغ دون إطار سياسى محيط، فإرث مبارك لم يكن كله سلبيات، إلا أنه لم يسمح بوجود فرص حقيقية للإصلاح من داخله إلا من خلال مشروع التوريث المرفوض شعبيا، كما أن خيارات المجلس العسكرى الخاطئة فى إسقاط دستور 71- رغم موافقة الناس على تعديله فى استفتاء شعبى...

لصالح فرض إعلان دستورى ركيك، وتسليم البلاد للإخوان دون دستور مدنى ودون قوانين تنظم العملية السياسية والانتخابية- أدت إلى أن وضعوا هم الدستور والقواعد القانونية على مقاسهم، وكانت نهاية «الخيار الأسوأ».

الدول الفاشلة تنتج مجتمعات فاشلة، مثلما أن المجتمعات الفاشلة تنتج دولاً فاشلة أيضا، على طريقة «كما تكونوا يُولَّ عليكم». والمجتمع تساهم فى صنعه سلطة ونظام سياسى وليس فقط موروث ثقافى وحضارى، وتعبير المجتمع هو تعبير متحرك ديناميكى نتاج تفاعلات كثيرة محيطة به، وليس فقط أحكاما قيمية مطلقة وساكنة لا تتغير بتغير النظم والأزمنة، فمثلا فى بعض المجتمعات الأوروبية كان هناك مَن يتحدث فى نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات عن أن إسبانيا والبرتغال غير قابلتين لبناء نظم ديمقراطية، لأن فى الأولى نسبة الأمية تصل إلى 15% والثانية إلى 20%، كما أن شعبيهما من الشعوب الكاثوليكية المتعصبة، التى يكون الدين مهيمناً على ثقافة شعوبها، بصورة تجعلها غير قادرة على تقبُّل النظام الديمقراطى.

ما جرى فى البلدين- اللذين صارا بعد ذلك دولتين أوروبيتين متقدمتين وديمقراطيتين- تكرر فى مجتمعات كثيرة مثل أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية حين كانت توصف مجتمعاتها أيضا بأنها غير قابلة للديمقراطية والتقدم.

إن قضية المجتمعات أو النخب الفاشلة لا علاقة لها بنظريات الشعوب المتخلفة لأسباب «جينية» نتيجة أصلها العرقى أو الدينى أو الثقافى أى لأسباب خلقية كما يردد بعض الجهلاء أو الكسالى، ليحكموا بالإعدام على شعب من الشعوب أو ثقافة من الثقافات، إنما هى أزمة مؤسسات دول ونظم سياسية تسهم فى تشكيل وعى المجتمعات وقدرتها على التغيير، دون أن تغيب أيضا مسؤولية هذه المجتمعات وفاعليها السياسيين عن تجنب «الخيارات الأسوأ».

arabstoday

GMT 15:55 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

ماذا بعد انتهاء الحرب؟!

GMT 08:55 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الاعتدال الفاعل

GMT 18:48 2023 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصريحات نتنياهو

GMT 17:18 2023 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

عودة للحروب الوطنية

GMT 08:40 2023 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجتمع الفاشل المجتمع الفاشل



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab