منع «داعش» تدريس الكيمياء والفلسفة

منع «داعش» تدريس الكيمياء والفلسفة

منع «داعش» تدريس الكيمياء والفلسفة

 السعودية اليوم -

منع «داعش» تدريس الكيمياء والفلسفة

عمار علي حسن

ما إن قرأت خبر منع «داعش» تدريس مادتى الفلسفة والكيمياء فى المناطق التى يسيطر عليها التنظيم من سوريا حتى استدعيت حواراً كتبته قبل فترة على لسانى شخصيتين متخيلتين، الأول رجل صوفى له كرامات، يسمى «سمحان»، والثانى طالب جامعى نابه يعول على العقل يدعى «برهان»، كانا ذاهبين فى رحلة طويلة للبحث عن الملح الجبلى فى هضبة البحر الأحمر. فقد فتح «برهان» أمامه على الأرض خريطة، ومرر أصبعه فوق بقع صفراء وبنية وأخرى خضراء قليلة ومتناثرة، حتى حط على واحدة بيضاء، وقال:

ـ هنا الملح.

ابتسم «سمحان» وربت كتفه وقال:

ـ اطوِ خريطتك فما على الأرض أعقد مما يظهره الورق، أنا ذهبت إلى هناك ووصلت إلى الملح بلا خرائط.

أنصت قليلاً ورد عليه وهو يكظم غيظه:

ـ الصحراء مملوءة بالأدلَّاء وقصاصى الأثر، وهم فى خدمة من يدفع لهم.

عاد «سمحان» إلى الابتسام، وهو واعٍ لما يرمى إليه هذا الشاب، ولم ينس، رغم ابتعاد السنين، ذلك الحوار الذى دار بينهما عند ألعاب الحظ فى مولد العذراء. نظر إلى «برهان» مليَّا ثم قال:

ـ هناك ما هو أبعد من الخرائط والأدلاء يا صديقى الصغير.

قهقه «برهان» وسأله مستنكراً:

ـ هل ينزل عليك الوحى؟

ـ ليس وحياً بالطبع.. لكن ما هو أبعد من العقل.

صمت قليلاً ورد:

ـ الشعور والتخاطر لا يمكن نكرانهما، لكن ليس لدرجة أن يقوداك إلى الملح حين تكون جاهلاً بمدقات الجبل ومنحنياته الوعرة.

ـ علم الله لا حدود له، ويهبه لمن يشاء.

ـ أنت ولى إذاً؟

ـ بل عبد فقير إلى الله، لا يطمع إلا فى رضاه.

ظهرت على وجهه حيرة، بعد أن فاضت من عينيه، ونقل قدميَّه على الأرض كأنها قد التهبت فجأة، وقال له بصوت خفيض:

ـ ما الذى يجعلنى أصدقك؟

ـ أنا فى حلٍ من أن أظهر لك شيئاً، وما كان يمكننى أن أتحدث فى هذا لو لم أرك معجباً بعقلك، وتعتقد أنه فيه وحده الخلاص.

ـ هل تنكر أن العقل هو طريقنا إلى الله؟

ـ لا أنكر، لكن الأمر يحتاج إلى خفقان القلب وفرط الخيال، وهناك من يسلك طريقاً آخر، والناس فيما يعرفون مذاهب.

ـ أنا مذهبى فى رأسى، ووكيل الله عندى هو عقلى، وهو يكمل مسيرة الوحى فى نظرى ولا يعارضها.

ـ أنت حر، لكن لا تنكر على آخرين مذاهبهم.

هز «برهان» رأسه، وكان من الصعب عليه أن يُسلِّم بالهزيمة، فتدحرجت فيها فكرة جيدة، دفعها إلى لسانه ونطق:

ـ لو افترضنا أنك تسمع وترى وتفعل ما لا يتأتى للآخرين، فكم على وجه الأرض مثلك؟ إنكم قلة، قد تعد على أصابع اليد فى هذا الزمن الذى ظهر فيه الفساد بالبر والبحر والجو، أما من يستخدمون عقولهم من أجل بلوغ غاياتهم، فهم سائر الناس ما عدا البلهاء والمجانين، فكيف نركن إلى ما لا نملكه ونترك ما لدينا؟

وأراد أن يقول له إن النفوس لو صفت تماماً بالمجاهدة كان لها ما تريد، وأن يتلو على مسامعه: «من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما افترضت عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى سمع به وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه، ولئن استعاذنى لأعيذنه».

أراد أن يقول هذا، لكنه آثر الصمت، متذكراً ذلك الحوار الطويل الذى دار بينهما قبل أسبوع، حين كان «سمحان» يعزى فى وفاة «أبوبرهان»، حيث أخبره أنه لا يقر بكل الروايات التى نُسبت إلى الرسول الكريم، وألقى الكلام فى وجهه: «لا يمكن لنص شفاهى أن يتداوله الناس مائة وخمسين عاماً ويبقى على حاله ثم يأتى من يدونه وينسبه إلى النبى». كلام هز رأس «سمحان» يومها، وتعجب من أن يصل إليه عقل طالب يدرس الكيمياء فى السنة الثالثة من كلية العلوم، فسأله عمن ألقى فى رأسه هذا الفكر، فعلم أنه يذهب إلى أستاذ فلسفة بالكلية يرأس «الأسرة الجامعية» التى هو عضو فيها.

بلع الكلام الذى أراد قوله، فهو أيضاً لا يقف عند حد «العلم الكسبى»، بل يتعداه إلى «العلم اللدنى»، واكتفى بالابتسام والقول:

ـ كيميائى شغلته الفلسفة، فكيف له أن يُسلم بكل ما يسمعه، ويمشى أعمى وراء من يشير إليه بإصبعه زاعماً أن قدميه تتقدمان على الصراط المستقيم.

قهقه «برهان» حتى كاد يسقط على قفاه، وقال:

ـ لهذا أبلغنى زميل بالجامعة، لحيته تكاد أن تحط على ركبتيه، أنه يكره الكيمياء والفلسفة، لأنها مواد لا تعتمد على الله. الأولى تغير ما خلقه، والثانية تفسد عقول خلقه.

 

 

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منع «داعش» تدريس الكيمياء والفلسفة منع «داعش» تدريس الكيمياء والفلسفة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab