مثقف وسُلطة والشيطان ثالثهما

مثقف وسُلطة والشيطان ثالثهما

مثقف وسُلطة والشيطان ثالثهما

 السعودية اليوم -

مثقف وسُلطة والشيطان ثالثهما

عمار علي حسن

من العبارات الراسية فى عقلى، ومحفورة فى وجدانى تلك التى ذكرها الدكتور جلال أمين فى كتابه «شخصيات لها تاريخ» وتقول: «تحتاج النظم الشمولية فى الترويج لقراراتها إلى خدمات عدد من المثقفين، يجمّلون هذه القرارات فى أعين الناس مهما كانت درجة قبحها، أو على الأقل يحدثون درجة من الجلبة والضوضاء والتهليل لهذه القرارات يستقر معها فى أذهان الناس أنها تتمتع برضا الجميع.. لكن هؤلاء المثقفين أو المصفقين أشكال وأنواع، وهم متفاوتو القدرات والكفاءات تفاوتاً عظيماً، ولكل منهم دوره وجمهوره، الذى يعتبر المثقف موكولاً به، ومسئولاً عنه» ثم يشير إلى واحد من هؤلاء ويقول: «كان رجلاً ذكياً وجريئاً، ولكنه للأسف استخدم ذكاءه وجرأته، فى مواقف كثيرة من مواقفه، بما يتعارض مع مصلحة أمته، ونحن لذلك نطلب له من الله المغفرة، ولكن لا يجوز أن نطالب الناس، أو نطالب أنفسنا بالنسيان». ما أكثر أمثال هذا فى حياتنا اليوم.
هناك دراسة بديعة لجوليان بندا عنوانها «خيانة المثقفين» شنَّ فيها هجوماً لاذعاً على المثقف الذى يتخلى عن رسالته، ويفرط فى مبادئه، ورأى فى ثناياها أن المثقف الحقيقى هو الذى ينحاز دوماً إلى المعايير الخالدة للحق والعدل، ويكون دوماً صادقاً مع نفسه، مدفوعاً بفعل المشاعر الفياضة، والمبادئ السامية إلى فضح الفساد، والدفاع عن الضعفاء، وتحدى السلطة الغاشمة، لا مجاراتها إن فسدت واستبدت والسكوت على تجاوزاتها كأى شيطان أخرس.
أتوقف ملياً أمام قصيدة رائعة لكنها مؤلمة للشاعر الكبير حسن توفيق عنوانها «المناضلون» يقول فيها: «فى غرفة أنيقة/ مبنية جدرانها من النفاق والدجل/ وبابها منفتح لمن يرى الحقيقة/ لكنه يدوسها ويرتمى بلا خجل/ على المقاعد المريحة/ ممدداً ساقيه حين يبدأ الكلام/ مدخنا سيجارة تلهمه الرؤى الفصيحة/ تلهمه الختام.. يا ضيعة الحقيقة/ طائفة من اللصوص والمهرجين/ تحترف الحديث عن قضايا الكادحين/ فى غرفة أنيقة».
 هناك قصة قصيرة ليوسف إدريس عنوانها «الرجل والنملة» يحكى فيها كيف كان ضباط السجون يعذبون المثقفين المعتقلين معنوياً، عبر مطالبة كل منهم بأن يحضر نملة «أنثى» ثم يخلع ملابسه تماماً ويضاجعها. ويؤكد بعض النقاد والشهود أن «القصة حقيقية»، لكن مطابقة الواقع على الخيال جعلت البعض يقول بعد مرور كل هذه السنين، إن من السجناء من رفض، ومنهم من فعل وتخلص من هذه العقدة، لكن بعضهم لا تزال هذه الواقعة المهينة المشينة تسكن خلاياهم، وتأكل أنفسهم وأرواحهم، ولذا كلما رأوا ضابط سجن بحثوا طائعين عن نملتهم.
 سأل الفنان «توسكانينى» تلميذه ذات يوم: ما رأيك فىّ؟ فابتسم وقال: أما بالنسبة لـ«توسكانينى» الفنان، ثم خلع قبعته وانحنى له تعظيماً. وأما بالنسبة لـ«توسكانينى» الإنسان، ثم خلع حذاءه وانهال على رأسه ضرباً.
قال الحمار لصاحبه: انزل سأركب، فأنا جاهل بسيط وأنت جاهل مركب. فأما الجاهل البسيط، فهو الجاهل الذى يعرف أنه جاهل. وأما الجاهل المركب، فهو الجاهل الذى لا يعرف أنه جاهل. وقد جاء فى الأثر أن من تعلم علماً ولم يعمل به فهو أجهل الناس.
وقّع المثقفون صكاً على بياض لحسنى مبارك فى معركته ضد إرهاب ما تسمى «الجماعة الإسلامية» فى ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، وكان الأولى بهم أن يشرحوا له ما بين الإرهاب والاستبداد والفساد والجهل من اتصال، فأكل «مبارك» المتطرفين، ثم اندار على المثقفين. وتمر الأيام ويتكرر المشهد، ولا أحد يتعلم من دروس التاريخ شيئاً.
لا تنتظروا شيئاً مفيداً سعيداً من الحاكم الذى يسمى الثقافة: «رطانة فارغة»، ولا عتب على جاهل إنما على حملة المعرفة الذين وزعوا أنفسهم على الدفوف والمزامير والطبل.

 

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مثقف وسُلطة والشيطان ثالثهما مثقف وسُلطة والشيطان ثالثهما



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 18:20 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الدرهم الإماراتي مقابل الدولار كندي الأحد

GMT 21:58 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

منة عرفة توجه رسالة إلى على غزلان والجمهور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab