حال المجتمع المدني 2  2

حال المجتمع المدني (2 - 2)

حال المجتمع المدني (2 - 2)

 السعودية اليوم -

حال المجتمع المدني 2  2

عمار علي حسن

من التحديات التى تواجه المنظمات غير الحكومية فى مصر وجود قوانين وتشريعات صريحة وواضحة تحظر عليها العمل السياسى، من دون تعيين الحدود التى تفصل بين السياسى على اتساعه وبين غيره من مجالات العمل العام. وهذا التحدى هو واحد من القواسم المشتركة بين كل الدول العربية، يزيد عليه التعليمات الشفهية التى تعطى لمؤسسات الضبط والرقابة من أجل تضييق الخناق على منظمات المجتمع المدنى. لكن هذه المنظمات تتمكن فى حالات عدة من التحايل على هذه القوانين، وتنخرط فى الشئون السياسية، حتى فى صورتها العليا والمباشرة، مستفيدة من السياق العالمى الذى يشجع المجتمع المدنى على أن يناضل من أجل انتزاع أدواره السياسية، ومستندة فى الوقت ذاته إلى نضال الأحزاب والحركات الاجتماعية والمثقفين وبعض الإعلاميين وبعض النخب من أجل الانفتاح السياسى والديمقراطية.

وكما سبقت الإشارة، فإن تضييق الخناق على الأحزاب السياسية المعارضة جعل قطاعات عريضة من الناس تمارس السياسة عبر المنظمات غير الحكومية. والمثل الجلى فى هذا الصدد هو تحول النقابات المهنية المصرية فى لحظة من اللحظات إلى منابر سياسية، ما دفع السلطة إلى تجميد بعضها، وفرض الحراسة على بعضها الآخر، وسن قانون يحرم عليها العمل السياسى، وهو القانون رقم 100 لسنة 1993، الذى جاء رداً على تصاعد دور التيار السياسى الدينى، لا سيما «الإخوان»، فى تلك النقابات، بعد أن وجدها باباً شرعياً متاحاً للممارسة السياسية عوضاً عن حرمانه منها عبر الوسائط الرئيسية الأخرى، وفى مقدمتها الأحزاب السياسية.

ولا تنجم تحديات المجتمع المدنى من السياقات التى تحيط به فقط، بل إن بعضها يعود إلى طريقة أداء المنظمات غير الحكومية ذاتها وتصورها لطبيعة أدوارها، ومدى إخلاص القائمين عليها لمقاصدها وغاياتها. فبعض هؤلاء يتعاملون مع هذه المنظمات على أنها مجرد وسيلة للارتزاق تتيح لأصحابها الحصول على جزء من الأموال التى تخصصها المؤسسات والحكومات الأجنبية لتشجيع التطور السياسى والاجتماعى فى بعض البلدان أو لخلق نخبة مرتبطة بمصالح الغرب، حسب ما تسوقه بعض الأدبيات العربية التى تنتقد أداء وأدوار المنظمات غير الحكومية. وبعض القائمين على تلك المنظمات يتعاملون مع مواقعهم على أنها طريقة للحصول على الوجاهة والمكانة الاجتماعية والبقاء فى دائرة الضوء عبر مختلف وسائل الإعلام.

وتعانى بعض هذه المنظمات من أزمة مصداقية نتيجة ثلاثة أسباب رئيسية: الأول هو وجود قدر لا يستهان به من الفساد وافتقاد الشفافية يصم المجتمع المدنى المصرى، ويطاول فى درجته الفساد الذى يصيب الحياة السياسية والإدارية العامة، والذى يناط بالمنظمات الأهلية والحقوقية أن تفضحه وتحاربه. وتنطبق على المجتمع المدنى فى هذه الناحية الحكمة المشهورة التى تقول «فاقد الشىء لا يعطيه». والسبب الثانى هو غياب الديمقراطية الداخلية للمجتمع المدنى، فكثير من منظماته ومؤسساته تعانى من استبداد شخص أو قلة بالرأى والقرار، وتلف بعضها حالة من الغموض، ويعانى بعض العاملين فيها من غبن وجور، شأنهم شأن الموظفين الحكوميين. أما السبب الثالث فهو ضعف الدور الاجتماعى لهذه المنظمات، وهى مسألة واضحة للعيان، فقد مر المجتمع المصرى بالعديد من الكوارث الاجتماعية والطبيعية، ولم تكن منظمات المجتمع المدنى الحديثة موجودة بين المنكوبين بالحضور المطلوب والناجع، على العكس من المؤسسات التقليدية للمجتمع الأهلى، التى يرتبط أغلبها بالدين سواء الإسلامى أم المسيحى.

إن مواجهة هذه التحديات تفرض على منظمات المجتمع المدنى أن تحقق قدراً معقولاً من الشفافية والديمقراطية الداخلية، والتواؤم مع القضايا الملحة لمجتمعاتها، وترتيب برامج عملها على أساس احتياجات الناس، والتفاعل الخلاق مع المؤسسات الأهلية التقليدية، التى تشكل شبكة قوية، لديها قدرات مادية كبيرة، ولها جذور عميقة فى التربة الاجتماعية والتاريخية المصرية، ومتماهية فى البنية الثقافية بصورة جلية. كما يجب على هذه المنظمات أن تعظم الاستفادة من فرص التعاون المشترك مع الحكومات فى مجالات عدة، ومنها مكافحة الفقر والبطالة وتنفيذ بعض المشروعات التنموية، وتحسين حياة المهمشين من دون أن تنسى ما عليها من واجب فى الضغط على هذه الحكومات من أجل تحسين شروط الحياة فى مختلف المجالات والدروب.

 

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حال المجتمع المدني 2  2 حال المجتمع المدني 2  2



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab