اسمه «جمال عبدالناصر»

اسمه «جمال عبدالناصر»

اسمه «جمال عبدالناصر»

 السعودية اليوم -

اسمه «جمال عبدالناصر»

عمار علي حسن

«عمل حاجات معجزة/ وحاجات كتير خابت/ وعاش ومات وسطنا/ على طبعنا ثابت/ وان كان جرح قلبنا/ كل الجراح طابت».. هكذا رثى الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم الرئيس جمال عبدالناصر، الذى تجدد الحديث عنه فى الذكرى الثانية والستين لثورة يوليو، معبراً باقتدار عن مسيرة زعيم عربى عظيم، كلما تملكنا غضب منه لجلبه العسكر إلى السياسة فى بلدنا، وإجهاض التجربة الليبرالية الوليدة، والهزيمة من الكيان الصهيونى فى عام ١٩٦٧، والزج بالمعارضين فى السجون والمعتقلات؛ غلبنا حنين له، وحب جارف لمقامه ووطنيته ومسعاه وطموحه وكبريائه وأعماله ومساره ومسيرته، حين نقارن زماننا بزمانه، وكثيراً من أفعاله وإنجازاته بما جرى بعده وما يتم حالياً.
ونجد أنفسنا متأرجحين حيال عبدالناصر، بين «بطولته» و«هزيمته»، فنمعن النظر فى وصف نجيب محفوظ له بأنه «البطل المهزوم»، لكننا نستشيط غضباً كلما حاول أعداؤه أن يهيلوا التراب عليه، وعلى عهده، ويكبر فى أعيننا حين نقرأ حالياً أرقاماً عن عدد المعتقلين الرازحين فى غياهب السجون، ومعدلات الفقر، واتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية فى مصر، ونسيان الاحتفال بعيد الفلاح، وتشريد العمال من المصانع، وفتح الباب على مصراعيه أمام رأس المال الطفيلى، ليتوحش، ويستشرى، ويجرف فى زحفه غير المقدس قيماً ومعانى ومصالح أناس مستورين، لا يمكن أن يكونوا أبداً عالة على الحياة.
وتسمع آذاننا نداء الناس على «عبدالناصر» فى الملمات التى تصيب العرب من المحيط إلى الخليج، ونقول لأنفسنا إنه لم ينجح فى إقامة الوحدة العربية، وفشلت تجربة الوحدة بين مصر وسوريا فقط، لكنه زرع فى العرب حلم التوحد، وجعلهم فى لحظة تاريخية خاطفة قبلة سياسية للعالم الثالث بأسره، ورقماً ذا بال فى المعادلات الدولية، ولولا التآمر عليه من قبَل القوى الدولية الغربية، كما سبق التآمر على سابقه محمد على، لحقق عبدالناصر الكثير من أحلامه المشروعة.
ثم نعود لنسأل أنفسنا: هل قام عبدالناصر بثورة، أم كان ذلك انقلاباً عسكرياً بحتاً؟ ونجيب إجابة توفيقية أو تلفيقية، لا ندرى، ونقول إنه قام بـ«انقلاب ثورى»، بدأه حفنة من العسكر، غامروا وأسقطوا الملكية، وجلبوا لمصر الاستقلال بعد رحيل المستعمر الإنجليزى، ثم التفتوا إلى الناس، فسُن قانون الإصلاح الزراعى الذى وزّع الأرض على الفلاحين، فتحولوا من أجراء إلى ذوى أملاك، وصدر قانون التأميم فاستولت الدولة على كثير من المؤسسات والشركات الخاصة، وفتحتها أمام العمال بلا حدود، وأمّنت لهم أوضاعاً جديدة تحفظهم من ظلم أصحاب العمل. ودخلت الدولة بقوة فى عملية التصنيع فعمّقته، واهتمت بأن تفتح طريق مصر أمام امتلاك صناعات متعددة، خفيفة وثقيلة، أو «من الإبرة إلى الصاروخ». وكل هذا أحدث تغييراً اجتماعياً كبيراً وفارقاً، كمثل الذى حققته الثورات فى مناطق عدة وأزمنة عديد، ومن ثم فإن بوسعنا أن نقول على ما جرى فى ٢٣ يوليو من عام ١٩٥٢ إنه كان «ثورة»، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن مصر فى زمن عبدالناصر ألهمت العرب والعالم الثالث نعمة الاستقلال عن المستعمر الأجنبى، ونعمة «عدم الانحياز» إلى القوى الكبرى الطاغية الباغية، التى تريد دوماً أن تقسم العالم بينها، كأنه شطيرة خبز أو كعكة لذيذة.
لكننا نندهش من الانهيار السريع لمكتسبات هذه الثورة «البيضاء»، بعد قرار الانفتاح الاقتصادى الذى اتخذه الرئيس أنور السادات، وسماه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين «سياسة السداح مداح». ونستغرب الكلام الذى قاله باحث إنجليزى اسمه ووتر برى فى كتابه «مصر بين عهدين: ناصر والسادات» من أن القطط التى سمنت فى زمن عبدالناصر هى التى ضغطت على السادات كى يفتح الباب أمام الاقتصاد الحر، ثم نستهجن ما جرى أيام حكم مبارك تحت مظلة «الخصخصة» التى أطلق عليها ظرفاء المعارضة وبسطاء الناس «مصمصة»، حيث لا تدبير ولا تخطيط جيداً أو أفق جلياً لمسيرة الاقتصاد المصرى حتى هذه اللحظة. ويقول بعضنا، وهو يرى المصانع والشركات التى أممها عبدالناصر وشيدها تباعاً واحدة تلو الأخرى: لو كان ما فعله الزعيم شيئاً حقيقياً وكبيراً ما ضاع كقبض الريح. ويتساءل النابهون: أكان من الممكن إصلاحها بدلاً من بيعها. فيرد آخرون: لقد نهبها كبار الموظفين وتركوها قاعاً صفصفاً، وحولوها إلى عزب خاصة، أسوأ مما كان عليه الحال قبل الثورة بكثير، وهو وضع لا يزال قائماً، ولن يكفيه اكتفاء الرئيس عبدالفتاح السيسى بحديث الذكريات فى ذكرى يوليو.
إلا أن هذا الأخذ والرد، والخلاف مع النفس، ومع الغير، لا يجرح أبداً اتفاقنا جميعاً على أن عبدالناصر كان نزيهاً، لم يسرق مليماً واحداً من المال العام، وكان فارساً شرد منه جواده، ومغامراً جسوراً، وحالماً كبيراً، مات لكن الحلم لم يمت.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اسمه «جمال عبدالناصر» اسمه «جمال عبدالناصر»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab