من يخون مصر

من يخون مصر؟

من يخون مصر؟

 السعودية اليوم -

من يخون مصر

عمار علي حسن

كنت أقلّب فى دفاترى القديمة، فوقعت عينى على هذا المقال الذى كُتب ونُشر يوم 12 مايو 2009، ومن أسف وجدت فيه ما يصف بعض حالنا الراهن، ويرد على أسئلة لا تزال مطروحة، وها هو المقال:

«قال لى صديقى بوجه منقبض وفم يقطر مرارة: من العار أن ترمى السلطة كل من يختلف معها فى السياسة بأنه خائن، فمصر أكبر من أن ينفرد فريق عابر بتحديد ما يتفق مع أمنها ومصلحتها. ثم أطلق فى وجهى سؤالاً كالرصاصة: هل تعتقد أن هناك من يدافع عن آخرين خارج حدودنا وسدودنا لأنه قبض الثمن؟

وتركنى أقلّب سؤاله على أكثر من وجه، وأستدعى كل ما مر على ذهنى من أحداث ووقائع وما جال بخاطرى من معان عن «الأمن القومى» و«الوطنية» و«العملاء» الذين لا ينتهون ولا ينقضون بتبدل الأمكنة وتوالى الأزمنة إلا فى أسمائهم ووجوههم. وراحت الإجابة تنجلى وتصطف فى انضباط وتسلسل عجيب، لكن بعضها تاه منى فى رحلة نقل ما يدور بالعقل ويختلج بالفؤاد إلى جمل مكتوبة ومحفورة بلا مواربة.

إلا أن ما بقى فى ذهنى مستقراً كطود راسخ هو أن هناك من يدافع عن آخرين لقاء ما يحصده من ثمن مادى. لكن هؤلاء، وهم قلة، ليسوا مندسين فى صفوف المعارضة فقط، بل إن أغلبهم منخرط فى فريق السلطة، الفرق هو فى الجهة التى يتلقى منها كل فريق ما يتم شراؤه به. والغريب والمضحك فى الوقت نفسه أن بعض المندسين فى صفوف السلطة انبرى صارخاً فى حين وقعت الأحداث الأخيرة ليحدثنا عن الوطنية وعن مصالح مصر العليا، وعن الذين يخونون الوطن.

ومما استقر فى ذهنى أيضاً أن أغلب من يختلفون مع النظام فى إدارة الأزمات المحلية والإقليمية والدولية لا يرومون إلا مصلحة وطننا الكبير العظيم، ولا يزعجهم إلا أن من بيدهم مقاليد الأمور لا يعرفون قدر البلد الذى اعتلوه وتحكموا فى مساره ومصيره إلى حين، فورطوه فى معارك صغيرة لا تليق به، وجعلوا منه أمثولة كتلك التى تقال فى قريتنا وبها عبر وعظات عميقة عن العمدة الذى راح يجرى فى الشارع وراء طفل، فلم يقل الناس: «خاف الطفل من العمدة» بل قالوا وهم يضحكون: «بات العمدة متهوراً» وقال آخرون «جُن الرجل ولا جدال فى هذا»، وقال الطفل وهو يضحك: «ربحت ورب الكعبة».

ولو كانت القوى الوطنية تشارك فى حوار بنّاء ومسئول حول أمن مصر ومصالحها الاستراتيجية ما كان يشذ عما يتم الانتهاء إليه والاستقرار عليه من سياسات إلا مغرض أو عميل أو مخبول، ولانتهت وصلات الردح التى يقوم بها كتّاب السلطة ضد هذا وذاك، والتى تتبدل إلى النقيض تماماً حين يعدل الحاكم من وجهته ويتغير مزاجه، ويصبح الليل عنده نهاراً جلياً، والعدو اللدود صديقاً مخلصاً.

إن الأمم الحية يتفق كل من فيها على الخطوط العريضة لأمنها، والتى لا تفريط فيها ولا تهاون، تحت أى ذريعة أو حجة، لكن هذا الاتفاق ينبنى على توافق عام يشارك الجميع فى صنعه، عبر الآليات المعروفة التى تبدأ ببرلمان يعبر تعبيراً حقيقياً عن الشعب، وحاكم منتخب بشكل نزيه، وأحزاب طبيعية، ووسائط ومنابر ومنافذ سياسية صحيحة للتعبير عن الرأى، وطرق يحميها القانون لتجميع الناس حول المواقف والمواضيع السياسية المتغيرة.

أما ما نحن فيه فلا يُنتج قرارات رشيدة تترجم مصالح الأمة، وليس منافع أشخاص بعينهم كل ما يهمهم من الداخل والخارج هو «الاستقرار والاستمرار» حتى ولو تحول الوطن إلى ذيل متراخ لقوى إقليمية أو دولية، أو حتى إلى كومة قش تذروها الريح.

إن هذا اللغط حول من يؤمن بمصر ومن يكفر بها، وهذا الغبار الذى يثيره البعض للتعمية على نوايا لا تتعلق أبداً بالمصالح العليا الثابتة والدائمة، لن يثنى كل ذى عين بصيرة وعقل فهيم عن أن يتساءل بصوت جهور: من يخون مصر؟ هل هم الذين يبيعون أصول اقتصادها بثمن بخس؟ أم الذين يفرطون فى مواردها الطبيعية بثمن أبخس؟ وهل هم الذين لا يعنيهم من الأمر سوى العرش والثروة؟ أم هم الذين يرهنون سياسة البلاد بإرادة أطراف خارج الحدود، بعضهم أعداؤنا الألداء؟ وهل هم الذين يتعاملون مع اليوم دون الغد، ومع الحاضر دون المستقبل وكأنهم يديرون عربة فول تقف على ناصية حارة عزلاء أو مجموعة من أنفار التراحيل؟ أم هم الذين انحازوا إلى القلة التى تمارس «الفشخرة» فى أعلى مستوياتها؟

وكل إجابة على سؤال من تلك الأسئلة تعبّد طريقاً عريضاً لمعرفة من لا يعمل من أجل مصر، ومن يبيع، ومن يفرط، ومن يتعامل مع مصر وكأنها تركة أو شركة أو ضيعة أو قرية سياحية أو كتلة أسمنتية ورخامية فارهة وباردة تحوطها الأسوار.

إن مصر العظيمة كانت وستظل قادرة على أن تفضح من يخونها، وترد كيد من يقصدها بسوء، وتهدى كل وطنى غيور عليها إلى ما فيه مصلحتها وأمنها. وأبناؤها المخصلون كانوا دوماً حاضرين للدفاع عنها وقت الخطر، حين يفر كل من كان يدّعى أنه يعمل لها ويرعاها بما خفّ وزنه وغلا ثمنه».

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يخون مصر من يخون مصر



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab