تشير الزيارات الرئاسية المتبادلة بين مصر والصين فى العامين الأخيرين إلى تحول كبير فى العلاقات بين الدولتين. وإذا كانت المبادئ قد شكلت منطلق مصر فى تحدى الغرب وإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين المُحاصرة عام 1956، فإن العلاقة بين الدولتين تطورت إلى مزيج من المبادئ والمصالح المشتركة، خاصة وأن الميراث الحضارى للدولتين ينهض على التعاون السلمى العادل. لكن الزيارات الرئاسية المتتابعة فى العامين الأخيرين تشير إلى إدراك عميق من الطرفين للتوافق الكبير بين إمكانياتهما الاقتصادية بصورة تعزز فرص نقل العلاقات إلى تعاون استراتيجى شامل فى مجال الاقتصاد بالذات حيث تكمن فرص هائلة للتعاون بين الطرفين بصورة قائمة على التبادل العادل للمنافع.
وقد أفصحت الصين عن تركيزها على العلاقات مع دول الجنوب من خلال مبادرتها الخاصة بإحياء القيمة الرمزية لطريق الحرير القديم والذى شكل إطارا مرجعيا للعلاقات الاقتصادية الدولية القائمة على التعاون السلمى وتبادل المنافع دون نزوع للهيمنة من دولة على الدول الأخرى. ولأن هناك فرصا هائلة للتعاون الاقتصادى المصري-الصينى فإنه من المهم أن يتم طرح المعالم الرئيسية لحجم وأداء الاقتصادين المصرى والصينى وواقع العلاقات الاقتصادية وفرص تطورها فى إطار علاقات استراتيجية بين الدولتين. ورغم أننى تناولت هذه الأمور من قبل على صفحات الأهرام، إلا أن التحولات الاستراتيجية فى العلاقة تتطلب إعادة التذكير بالفرص الهائلة للتعاون بين الدولتين والآمال الكبيرة المعلقة على تطوير هذه العلاقات وعلى نتائج الزيارات الرئاسية المتبادلة بين الدولتين.
الاقتصاد المصري.. الأداء والإمكانات
بلغ الناتج القومى الإجمالى لمصر والمحسوب بالدولار طبقا لسعر الصرف السائد نحو 273.1 مليار دولار عام 2014. بينما بلغ نفس الناتج محسوبا بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار والجنيه المصرى نحو 919.2 مليار دولار فى العام نفسه.
وقد أسهمت الزراعة بنحو 14% من الناتج المحلى الإجمالى المصرى عام 2014، بينما أسهمت الصناعة التحويلية بنحو 16% من ذلك الناتج، والصناعة الاستخراجية بنحو 24% منه، والخدمات بنحو 46% من الناتج المحلى الإجمالى المصرى عام 2014.
ووفقا لصندوق النقد الدولى فى تقريره عن اتجاهات التجارة العالمية (2014) بلغت قيمة الصادرات السلعية المصرية نحو 28.9 مليار دولار، وبلغت قيمة الواردات المصرية نحو 65.2 مليار دولار فى العام نفسه. وبلغ العجز التجارى نحو 36.3 مليار دولار.
وتشير البيانات الرسمية المصرية إلى أن صادرات مصر من الخدمات بلغت نحو 22 مليار دولار فى العام المالى 2014/2015، وبلغت وارداتها من الخدمات فى العام نفسه نحو 17.3 مليار دولار. وبلغ فائض تجارة الخدمات نحو 4.7 مليار دولار. كما بلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين فى الخارج نحو 19.3 مليار دولار فى العام المذكور.
وتضم السوق المصرية نحو 90 مليون مستهلك هم عدد السكان داخل مصر حاليا، ومنهم 28 مليون تعداد قوة العمل المتنوعة المستويات والمهارات والتى تعتبر أجورها أقل جدا حتى من أجور العمالة فى الصين وفى كل الدول الناهضة اقتصاديا. كذلك هناك أكثر من 8 ملايين مصرى يعملون ويعيشون خارج مصر ويزورونها سنويا، ولو أضيفوا إلى عدد السكان فى داخل مصر فإن التعداد الكلى يصل إلى 98 مليون نسمة.
وترتبط مصر باتفاقيات للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبى والبلدان العربية، وبلدان شرق وجنوب إفريقيا، فضلا عن العديد من اتفاقيات تحرير التجارة مع العديد من الدول الأخرى بصورة فردية. وهذا يعنى أن أى شركة تعمل فى مصر تستطيع الحصول على الخامات والسلع الأولية والوسيطة من تلك الدول بدون جمارك، أو برسوم جمركية محدودة يجرى تخفيضها باتجاه إلغائها كليا تدريجيا. كما أن إنتاج أى شركة موجودة فى مصر يستطيع دخول كل تلك الأسواق بدون رسوم جمركية، إذا استوفى النسبة المطلوبة للمكون المصري.
وتملك مصر موقعا جغرافيا مميزا بصورة استثنائية حيث تتوسط قارات العالم القديم. وهذا الموقع يتمتع بميزة هائلة كموقع لأى استثمارات أجنبية تتوطن فى مصر. فنفقات النقل والتأمين للتجارة مع مختلف أسواق العالم تكون منخفضة كثيرا عن النفقات المناظرة لمنتجات الاستثمارات المتوطنة فى بلدان أخري.
كما تمتلك مصر قاعدة مهمة من الثروات المعدنية والمحجرية التى يمكن تطوير صناعات تحويلية عملاقة على أساسها. كما أن لديها فائضا كبيرا من الخضر والفاكهة يشكل أساسا لتطوير صناعات الحفظ والتعليب لها. كما تتوسط مصر مناطق مصدرة رئيسية للمواد الخام المعدنية والزراعية والنفطية والغازية فى إفريقيا والمنطقة العربية. وكل ذلك يمنح الاقتصاد المصرى والاستثمار فيه ميزات كبري.
الاقتصاد الصينى والإنجاز التاريخى بالصدارة العالمية
تشير بيانات البنك الدولى إلى أن الناتج المحلى الإجمالى الصينى ارتفع من 354.6 مليار دولار تعادل 1.63% من الناتج العالمى عام 1990 إلى 10069 مليار دولار تعادل 12.9% من الناتج العالمى الذى بلغ 78259 مليار دولار فى عام 2014. ولو قيس الناتج القومى الصينى بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار واليوان فإنه بلغ 17919 مليار دولار عام 2014 بما يعادل 16.5% من الناتج العالمى المحسوب بنفس الطريقة فى العام نفسه.
وسيسجل التاريخ أن عام 2014 هو أول عام يتفوق فيه الناتج القومى الصينى المحسوب بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية والبالغ 17919 مليار دولار على نظيره الأمريكى المحسوب بنفس الطريقة والذى بلغ 17813 مليار دولار. وطبقا لتلك البيانات المنشورة فى تقرير البنك الدولى عن مؤشرات التنمية فى العالم (2015) فإن الناتج القومى الصينى تجاوز نظيره الأمريكى بنحو 106 مليارات دولار عام 2014. وتشير بيانات صندوق النقد الدولى فى تقاريره عن اتجاهات التجارة العالمية (Direction of Trade Statistics Yearbook) إلى أن قيمة الصادرات الصينية قد ارتفعت من نحو 62.1 مليار دولار تعادل 3% من الصادرات العالمية عام 1990 إلى نحو 2276 مليار دولار تعادل 12.2% من الصادرات العالمية عام 2013 لتواصل تصدرها للعالم متفوقة على الولايات المتحدة التى بلغت قيمة صادراتها 1492 تعادل نحو 8% من قيمة الصادرات العالمية عام 2013. وكانت الصادرات السلعية الصينية قد تجاوزت نظيرتها الأمريكية بداية من عام 2005 عندما بلغت نحو 998 مليار دولار، مقارنة بنحو 959 مليار دولار للولايات المتحدة. ولم تتخل عن المرتبة الأولى بعد ذلك.
وتملك الصين احتياطيات مالية هى الأضخم فى العالم حيث تجاوزت 4 تريليونات دولار. وقد راكمت الصين تلك الاحتياطيات من فوائض موازينها الخارجية المجمعة وبالذات من فوائضها التجارية العملاقة المستمرة حتى الآن. كما أنها أصبحت ثانى أكبر مصدر للاستثمارات المباشرة فى العالم. وتشير بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (يونكتاد) الواردة فى تقرير الاستثمار العالمى إلى أن الصين ضخت نحو 116 مليار دولار كاستثمارات مباشرة إلى مختلف دول العالم عام 2014.
وهناك درجة عالية من التوافق بين إمكانات الاقتصادين المصرى والصينى فيما يتعلق بقوائم صادرات وواردات الدولتين، وأيضا فيما يتعلق بالاستثمارات المباشرة حيث تعد مصر مستوردا صافيا لخدمات رأس المال، بينما تعد الصين مصدرا عملاقا لرأس المال خاصة فى ظل الاحتياطيات المتراكمة لديها التى تجاوزت 4 تريليونات دولار. كما أن قناة السويس تعد معبرا رئيسيا للتجارة الصينية المتوجهة لأوروبا والمنطقة العربية. كذلك فإن الدولتين تمتلكان إمكانات سياحية هائلة تشكل أساسا لتطور كبير ممكن فى هذا المجال.
آفاق تطور العلاقات الاقتصادية المصرية-الصينية
رغم أن العلاقات المصرية-الصينية قامت على أساس المبادئ وتضامن الشعوب المحبة للسلام، إلا أن تبادل المصالح الاقتصادية والسياسية على أسس عادلة، يشكل ملمحا رئيسيا لهذه العلاقات وخاصة فى الوقت الراهن. وفى ظل التغيرات المتتابعة فى البيئة السياسية والاقتصادية الدولية، يبدو من المهم للدول التى يجمعها منهج التعاون العادل والسلام والاندماج فى الاقتصاد الدولى على أسس عادلة ومتكافئة، أن تتجمع وتوثق تعاونها لصالح شعوبها. وهذا التعاون سيقوى موقفها ومكانتها فى الاقتصاد الدولى وفى أى مفاوضات بشأن السياسات الحاكمة للعلاقات الدولية.
وتسعى مصر إلى تحقيق العدالة والتكافؤ والتبادل العادل للمصالح فى علاقاتها الاقتصادية الدولية. وتسعى الصين بدأب يستحق الاحترام لتطوير العلاقات مع الدول النامية والناهضة، سواء بتشكيل مجموعة «بريكس»، أو بإطلاق مبادرة إحياء طريق الحرير القديم لتعزيز التعاون الاقتصادى بين تلك الدول، أو بالدعوة العادلة للاعتماد على عملة احتياط دولية جديدة تحت إشراف صندوق النقد الدولى بدلا من الدولار الذى تسىء الولايات المتحدة استخدامه لمصلحتها على حساب العالم.
ويبدو السلوك العملى للصين فى العلاقات الدولية والقائم على احترام سيادة الدول والاندماج السلمى والعادل فى العلاقات الدولية، نقيضا لنزعات الهيمنة والمركزية الغربية. وهذا المنهج الصينى يلتقى بعمق مع إرادة الاستقلال الوطنى لدى مصر بعد ثورة يناير 2011 العظيمة وموجتها الثانية العملاقة فى 30 يونيو 2013. وفى هذا السياق تبدو الصين شريكا مثاليا لمصر لتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين، خاصة مع توافق إمكاناتهما الاقتصادية، وتطابق أو تقارب مواقفهما من القضايا الأكثر سخونة على الساحة العالمية عموما وفى المنطقة العربية وبخاصة فى سوريا وفلسطين المحتلة وبشأن الحرب ضد التطرف الدينى والإرهاب.
وقد شهدت التجارة السلعية بين مصر والصين تطورات هائلة خلال الثلاثين عاما الأخيرة. ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولى فى أعداد مختلفة من تقريره عن اتجاهات التجارة العالمية (Direction of Trade Statistics Yearbook) بلغت قيمة الصادرات السلعية المصرية للعالم كله فى عام 1983 نحو 3215 مليون دولار، وبلغت قيمة صادراتها للصين فى ذلك العام نحو 29 مليون دولار أى أقل من 0.9% من إجمالى الصادرات المصرية فى العام المذكور. وجاءت الصين فى المرتبة الـ 20 بين أهم الأسواق التى تتوجه إليها الصادرات المصرية.
وفى عام 2000 بلغت قيمة الصادرات السلعية المصرية نحو 6332 مليون دولار، توجه نحو 93 مليون دولار منها للصين بنسبة 1.4% من إجمالى تلك الصادرات. وجاءت الصين فى المرتبة 15 بين أهم الأسواق التى تتوجه إليها الصادرات المصرية.
وفى عام 2013 بلغت قيمة الصادرات السلعية المصرية نحو 28.9 مليار دولار، وتوجه نحو 568 مليون دولار منها للصين، بنسبة 2% من الإجمالي. وجاءت الصين فى المرتبة 15 بين أهم الأسواق التى تتوجه إليها الصادرات المصرية.
أما بالنسبة للواردات السلعية المصرية من الصين فقد بلغت قيمتها نحو 59 مليون دولار عام 1983 بنسبة تقل عن 0.6% من إجمالى الواردات السلعية المصرية والتى بلغت قيمتها 10275 مليون دولار فى ذلك العام. وجاءت الصين فى المرتبة 31 بين الأسواق التى تحصل منها مصر على وارداتها.
وفى عام 2000 بلغت قيمة الواردات المصرية من الصين نحو 886 مليون دولار تعادل 4% من قيمة الواردات السلعية المصرية فى ذلك العام والتى بلغت نحو 22 مليار دولار. وتقدمت الصين للمرتبة الخامسة بين أهم الدول الموردة للسلع إلى مصر.
وفى عام 2013 بلغت قيمة الواردات المصرية من الصين نحو 6811 مليون دولار، بنسبة 10.5% من إجمالى الواردات المصرية التى بلغت قيمتها نحو 65.2 مليار دولار فى العام المذكور. وتقدمت الصين للمرتبة الأولى كأهم دولة موردة للسلع إلى مصر.
وتتسم التجارة المصرية-الصينية بعدم التكافؤ حيث بلغ العجز التجارى المصرى مع الصين نحو 6243 مليون دولار عام 2013، أى ما يقرب من 85% من إجمالى قيمة التجارة بين البلدين. وهو اتجاه عام على مدار العقود الثلاثة الأخيرة. وبالتالى فإن مصر بحاجة لتنشيط صادراتها للصين حتى تحقق مستوى أفضل من التكافؤ والتوازن فى التجارة مع الصين. وهذا التنشيط يمكن أن يتم من خلال الإنتاج السلعى المصرى القائم فى الحدود الممكنة. لكن فرص تطوره الأكبر ترتبط بالاستثمارات الجديدة التى يمكن أن تنتج سلعا صناعية وزراعية تحتاجها السوق الصينية. وهذا الأمر يضع على كاهل رءوس الأموال الصينية مهمة كبيرة بتوجيه نظرها إلى السوق المصرية لتأسيس استثمارات جديدة لتطوير قاعدة إنتاجية يمكنها أن تصدر للسوق الصينية جزءا من إنتاجها بما يسهم فى تقليل العجز التجارى المصرى الضخم مع الصين أو الوصول إلى توازن الميزان التجارى بين البلدين. وهذا الأمر ينقلنا إلى تناول الاستثمارات الصينية المباشرة فى مصر...
على الرغم من تحول الصين إلى ثانى أكبر مصدر لرءوس الأموال فى العالم، حبث ضخت 116 مليار دولار كاستثمارات مباشرة فى البلدان الأخرى عام 2014، فإن مصر ما زالت دولة هامشية بالنسبة للاستثمارات الصينية المباشرة. وتشير البيانات الرسمية المصرية (النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزى المصري) إلى أن تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة لمصر بلغت 60.5 مليون دولار عام 2014/2015 بما يعادل 0.9% فقط من صافى تدفقات الاستثمارات الأجنبية لمصر التى بلغت 6371 مليون دولار فى العام المالى المذكور. وكانت تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة لمصر قد بلغت نحو 48، 73، 48.8، 6.3 مليون دولار فى الأعوام المالية 2010/ 2011، 2011/2012، 2012/2013، 2013/2014 بالترتيب. وشكلت تلك الاستثمارات نحو 2.2%، 1,8%، 1.8%، 0.2% فى الأعوام الأربعة المذكورة بالترتيب.
وتأتى الصين فى المرتبة الـ 15 بين الدول التى تضخ استثمارات أجنبية مباشرة إلى مصر، بينما تأتى بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا فى مقدمة قائمة أهم الدول التى تضخ استثمارات أجنبية مباشرة مصر.
وترتيبا على الميزات الخاصة التى ينطوى عليها ضخ استثمارات صينية إلى مصر، فإن أحد أهم مجالات تطوير العلاقات الاقتصادية المصرية-الصينية هو زيادة تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة إلى مصر لمصلحة الطرفين. وتوجد فرص استثمارية هائلة فى صناعات الأسمدة الفوسفاتية فى ظل امتلاك مصر لاحتياطى عملاق من خام الفوسفات من منطقة العوينات والوادى الجديد حتى ساحل البحر الأحمر. وتوجد فرص مناظرة فى صناعة الأسمنت وأسمدة اليوريا وبودرة التلك والحجر الجيرى والجبس والكوارتز والرخام والبازلت والذهب وغيرها من الخامات المعدنية والمحجرية. كما تملك مصر احتياطيا ضخما من الرمل الزجاجى خاصة فى جنوب غرب سيناء الذى يشكل قاعدة عملاقة لتطوير صناعة الزجاج والمرايا. كما توجد فرص استثمارية مجزية للغاية فى صناعة الورق من قش الأرز ومخلفات قصب السكر، ومن تصنيع السلع الزراعية خاصة مركزات العصائر وحفظ وتعليب الخضر والفاكهة. كما توجد فرص استثمارية كبيرة فى الاستزراع السمكى فى البحار وما يترتب عليه من صناعات تجهيز وتعليب الأسماك. كما توجد فرص متميزة فى صناعة السيارات التى تتجه مصر لتطويرها بصورة حاسمة بالمشاركة مع الشركات الدولية المعنية بسوق السيارات المصرية التى تستهلك أكثر من 300 ألف سيارة سنويا، والمعنية بالاستثمار فى مصر فى هذا القطاع للتصدير للأسواق العربية والأوروبية والإفريقية. كما توجد فرص استثمارية متميزة فى صناعة وصيانة السفن فى مصر التى يمر منها فى قناة السويس أكثر من 18 ألف سفينة، تحمل نحو عشر التجارة العالمية. ومع التفريعة الجديدة لقناة السويس فإن حصتها من عبور التجارة الدولية سوف تتزايد تدريجيا لتتضاعف خلال عدة أعوام.
كذلك فإن مصر لديها فرصة متميزة فى صناعات تكرير البترول وتصنيع البتروكيماويات خاصة أنها قريبة من أكبر خزانات الاحتياطى النفطى العالمى فى منطقة الخليج العربى وليبيا، وقريبة فى الوقت نفسه من أكبر أسواق استهلاك المنتجات النفطية فى أوروبا وفى مصر نفسها. وتستورد مصر فى الوقت الحالى المنتجات النفطية بسبب عجز معامل تكرير النفط المصرية عن تلبية الطلب المحلى على تلك المنتجات.
وعلى صعيد آخر تحولت الصين إلى أكبر دولة مستوردة لخدمات السياحة فى العالم. وقد خرج من الصين نحو 98.2 مليون سائح توجهوا إلى بلدان أخرى عام 2014. وارتفع الإنفاق السياحى الصينى فى الخارج عشر مرات منذ عام 2000 ليبلغ نحو 138.3 مليار دولار عام 2014، وهو ما يعادل نحو 10.9% من إجمالى الإنفاق العالمى على السياحة فى العام 2014.
وبالمقابل تعد مصر دولة مصدرة كبيرة لخدمات السياحة بكل أنواعها. لكن تدفق السياح الصينيين لمصر محدود للغاية بالمقارنة مع تدفقهم لكل دول العالم. ورغم أن بعد المسافة الجغرافية بين مصر والصين يشكل معوقا لتوسع حركة السياحة بين البلدين، فإن إمكانات تطور تلك السياحة تبقى أعلى كثيرا من الوضع القائم حاليا. وعلى سبيل المثال يلجأ بعض السياح الروس والألمان والإيطاليين إلى شراء شقق فندقية فى مصر خاصة فى منطقة البحر الأحمر. ويقضى كبار السن ممن خرجوا للمعاش فترات طويلة فى تلك الشقق التى اشتروها. كما يتم استخدامها من قبل عائلاتهم. كما أن إدارات القرى السياحية التى توجد بها تلك الشقق الفندقية تقوم بتأجيرها لحسابهم فى باقى أيام السنة بحيث تتحول لمصدر للدخل لهم. وهذا النموذج قابل للتكرار مع السياح الصينيين خاصة كبار السن وعائلاتهم.
ورغم التأثيرات السلبية التى تعرض لها قطاع السياحة فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، فإن عدد السياح الذين تدفقوا إلى مصر بلغ 12.2 مليون سائح عام 2012/2013، وبلغ عدد الليالى السياحية التى قضاها السياح فى مصر نحو 142 مليون ليلة سياحية فى العام المذكور. ورغم التراجع فى أعداد السياح إلى نحو 7.5 مليون سائح فى عام 2013/2014 بعد الموجة الثورية الهائلة فى 30 يونيو، فإن العدد ارتفع لنحو 9.3 مليون سائح عام 2014/2015 فى اتجاه التعافى السريع. ورغم أن حادثة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء فى نوفمبر من العام 2015 قد أثرت سلبيا على هذا القطاع، فإنه سيتعافى من هذه الأزمة شأنه مع أزمات مماثلة من قبل.
وكل ما سبق يشير إلى إمكانات كبيرة لتطوير العلاقات الاقتصادية الشاملة بين مصر والصين فى مجالات التجارة السلعية والاستثمارات والتجارة الخدمية وفى مقدمتها النقل عبر قناة السويس بعد تطوير قدراتها الاستيعابية بالقناة الجديدة، وأيضا السياحة الثقافية وسياحة المنتجعات حيث تملك مصر إمكانات جبارة فى هذا المجال وبنية أساسية سياحية ممتازة. كما أن هناك إمكانات كبيرة للتعاون العلمى والتقنى والعسكرى بين البلدين، وهى مجالات ينهض التعاون فيها على درجات عالية من الثقة المتبادلة، وهى متوافرة بالفعل بين الدولتين. وفى ظل توافق المواقف السياسية المصرية والصينية، وعمق ثقافة التعاون السلمى فى العلاقات الخارجية لدى الدولتين، فإن البلدين مرشحان لتطوير علاقات استراتيجية شاملة وفى القلب منها العلاقات الاقتصادية حيث تتوافق إمكانات البلدين بصورة ملهمة تشكل أساسا موضوعيا لتطور فارق وممكن فى العلاقات الاقتصادية بينهما.