محمد سلماوي
استوقفنى كثيراً حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تقديم رؤية واعية لدور الثقافة فى المجتمع، وذلك من خلال برنامج العمل الذى وضعه لنفسه فى السنوات الأربع المقبلة، والذى حدد معالمه فى خطابه الأخير.
فلأول مرة منذ فترة الستينيات تنتقل الثقافة فى الفكر الرئاسى من الجماليات غير الأساسية فى فترة السبعينيات، والتهميش المتعمد فى العقود الثلاثة التالية، والعداء المستحكم أثناء حكم الإخوان، لتصبح قاعدة الانطلاق الحقيقية نحو المجتمع الجديد الذى استشرفه الرئيس فى البرنامج الذى قدمه.
ففى فترة السبعينيات لم تكن الثقافة تعنى إلا الفنون التى تجمل حياتنا وتجمل فى نفس الوقت صورة النظام بأعياد الفن التى يقيمها، لكن الرئيس السادات كان يتوجس من المثقفين الذين كان يطلق عليهم تعبير «الأفنديات»، ووصل به الأمر إلى حد إلغاء وزارة الثقافة لأول مرة منذ إنشائها بعد ثورة يوليو وتحويلها إلى وزارة دولة.
ثم جاء عصر مبارك، فكان عنوانه هو التهميش التدريجى للثقافة والمثقفين حتى ألغى الرئيس فى سنواته الأخيرة لقاءاته الدورية بالمثقفين، وفى مقدمتها لقاء معرض الكتاب السنوى، وقد كان من نتيجة ذلك تقويض قوة مصر الناعمة، ما تسبب فى تراجع دورها الإقليمى والدولى وتداعى مكانتها الفريدة.
أما فى فترة حكم الإخوان المشؤومة فقد كان عداء الدولة للثقافة والمثقفين سافراً لا لبس فيه، أدى فى النهاية إلى اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة ورفض دخول وزير الإخوان إليها، وسحب الأدباء والكتاب الثقة من رئيس الجمهورية فى الجمعية العمومية المشهودة لاتحاد كتاب مصر فى يونيو 2013.
بالمخالفة لكل ذلك قدم الرئيس المنتخب، فى خطابه السياسى الأول، رؤية واضحة وناضجة للثقافة ودورها فى المجتمع واتصالها بالهوية الوطنية واعتمادها على التعليم والتوجيه العام على مختلف مستوياته، فالثقافة فيما يتضح من خطاب الرئيس تتصل بالتعليم الجيد وبالخلق الحميد وبالفهم الصحيح للدين، فتلك كلها منظومة واحدة تشكل الهوية الثقافية والوطنية، ولا يمكن الاهتمام بأحد عناصرها على حساب العناصر الأخرى، وهى فى مجملها القاعدة الحقيقية للنهوض بالثقافة، ومن ثم النهوض بالاقتصاد وبالسياسة وبالسياحة ومحاربة الفساد والتطرف، وتعيد لمصر قوتها الناعمة التى كانت أداة صنعها لنهضتها على مر العصور.
لقد كان خطاب السيسى هو أول ترجمة عملية للدستور الجديد الذى أفرد لأول مرة فصلاً مستقلاً للمقومات الثقافية للمجتمع نص فيه على الحق فى الثقافة، وعلى التزام الدولة بتوفير هذا الحق وحماية الهوية الثقافية، ولنا أن نتوقع أن تعود الثقافة فى المرحلة المقبلة لتتبوأ مكانتها الرائدة، فتعيد للبلاد قوتها الناعمة ويعود لمصر دورها الإقليمى والدولى.
msalmawy@gmail.com