محمد سلماوي
أعود لموضوع تقرير «هيومان رايتس ووتش» الذى مازال انحيازه الفاضح للإخوان يثير الجدل حول مصداقيته ومصداقية المنظمة ذاتها، لأقول إننا ملامون، وإن هذا التقرير لم يكن ليحظى بهذا الاهتمام الدولى لولا أن سبقنا إلى الرأى العام العالمى فكانت له الأولوية والسبق، بينما اقتصر دورنا نحن على مهاجمته.
إنها فضيحة سياسية وتقصير إعلامى معيب، كيف لم نسبق نحن بإصدار تقرير من لجنة التحقيق فى أحداث فض اعتصام رابعة، كيف لم تكن لنا الكلمة الأولى فى هذه الأحداث التى وقعت عندنا وتحت أعيننا، وشهودها جميعاً مواطنون مصريون يعيشون بيننا؟ لماذا نصر على أن يقتصر دورنا دائما على رد الفعل ونترك الفعل للآخرين؟
إن سر التأثير الإعلامى الناجح هو السبق بالإعلان عن الخبر، وإذا كنا قد سبقنا بإصدار تقرير عن هذه الأحداث التى وقعت قبل أكثر من سنة مضت لكانت لنا الساحة كاملة ولوصلت الحقيقة إلى الرأى العام العالمى قبل أن تصل أكاذيب «هيومان رايتس ووتش» ولترسخ ما ورد فى تقريرنا فى الأذهان بما يجعل من الصعب على المنظمة الدولية ذات المقر الأمريكى أن تقنع الناس بعد ذلك بما ورد فى تقريرها بعد سنة من الأحداث.
كيف تتمكن منظمة أجنبية من الوصول إلى الشهود قبلنا وتأخذ ما تريده من أقوالهم وتعد تقريرها بما يتوافق مع أغراضها الخفية، ثم تعلن عن تقريرها قبل أن تصدر اللجنة المصرية تقريرها الذى كان ينبغى أن يكون هو التقرير الأساسى فى هذا الشأن.
إننا مازلنا نعيش فى عصر آخر انتهى منذ زمن بعيد. لقد صار العالم الآن يسعى إلى أولوية الوصول إلى الرأى العام، فمن وصلت كلمته أولاً إلى الناس كان هو صاحب الحقيقة، أياً كان ما يقوله، وقد وجدنا مثالاً واضحاً على ذلك فى أحداث غزة الأخيرة، حيث سبقت شبكات التواصل الاجتماعى جميع أجهزة الإعلام الرسمية فى العالم والتى يسيطر عليها النفوذ اليهودى، فوصلت الحقيقة للرأى العام، العالمى قبل أن تتمكن وسائل الإعلام الرسمية من الوصول إليه، وبعد أن شاهد الناس صور القتل الوحشى والدمار لم تجد كثيرا المقالات المدبجة لـ«نيويورك تايمز» التى تتحدث عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، لأن الجماهير كانت قد خرجت بالفعل إلى الشوارع فى ظاهرة هى الأولى من نوعها.
وإذا كنا نحن لم نع متغيرات العصر الذى نعيشه، فإن الإخوان وعوها جيداً، ولم يعد سراً أنهم تعاقدوا مع بعض كبرى شركات العلاقات العامة فى الغرب للدفاع عن قضيتهم، وأنفقوا فى ذلك الملايين، وهو ما يفسر انحياز الإعلام الغربى لهم، رغم التعارض الصارخ بين مصالح الغرب الاستراتيجية ومصالح الإخوان، والحقيقة أن ذلك الانحياز الفاضح للإخوان فى تقرير «هيومان رايتس ووتش» إنما يشير إلى أن المنظمة ليست بعيدة عن حملة العلاقات العامة مدفوعة الأجر التى مازالت تعمل فى الغرب لصالح الإخوان، بينما نحن لم نصدر تقريرنا بعد حول ما حدث فى رابعة قبل أكثر من عام مضى.