بقلم: الدكتور مظهر محمد صالح
عد الفيلسوف كارل ماركس من القرن التاسع عشر، الاول في استعمال عبارة الفردية او المذهب الفردي والتي كررها في كتاباته ، باشمئزاز كبير ولمرات عديدة ، قبل ان تأخذ العبارة المذكورة حيزاً واسعاً في الاستعمال الاصطلاحي لدى صناع القرار في نهايات القرن العشرين.
بل شكل المذهب الفردي البذرة التأسيسية لمدرستي: (الاقتصاد الريغني) نسبة الى الرئيس الاميركي رونالد ريغن (والتاتشرية الاقتصادية ) نسبة الى مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة. واللتين شيدتا النواة في نشر مبادئ الليبرالية الجديدة والمحافظين الجدد والدعوة الى العولمة.
ولا يخفى ان مصدر المذهب الفردي وشيوعه هو ذلك البلد الاوروبي الصغير (النمسا) .ففي القرن التاسع عشر نشر كارل منجر، مؤسس المدرسة الاقتصادية النمساوية، كتابه الموسوم «مبادئ علم الاقتصاد» العام 1871. إذ غدا المذهب الفردي من الاتجاهات السائدة في المجتمعات الاوروبية التي تتطلع الى تشجيع حرية الفرد والتركيز على الفرد نفسه على حساب الروابط التقليدية للعائلة والتماسك الاجتماعي.
كما يرى المذهب المذكور ان حرية الفرد تشكل البنية الثقافية المولدة لروح المبادرة التنظيمية و الابتكار في النشاط الاقتصادي وهي الضمانة المثلى لتوسع النظام الراسمالي.
يعتقد اصحاب المذهب الفردي ان القيم والحقوق والواجبات كافة هي متأصلة بالافراد انفسهم، ولابد من ان تتفوق مصالحهم اخلاقياً على تلك الكيانات المجردة (مثل المجتمع) على حد قولهم.
وبالمقابل استمرت المدرسة الكلاسيكية الاقتصادية كُليةً في تفكيرها مبتعدةً عن الجزئية من حيث النظر الى الامة جميعها. فعندما يتخذ الناس قراراً معيناً بصورة جماعية تأتي تصرفاتهم في نهاية المطاف منسجمة فيما بينها.
وان الاداء الاقتصادي للامة كلها مثل تقدير الدخل الوطني والتضخم والاستخدام سيولد ما يعرف بالاقتصاد الكلي.
وعلى خلاف ذلك نجد ان المدرسة النمساوية تنتمي الى ما يسمى بالاقتصاد الجزئي في تقييم قرارات الافراد الاقتصادية.
فعلى سبيل المثال، تبدأ المدرسة النمساوية من عبارة لماذا يتخذ (الفرد) قراره في الشراء، في حين تبدأ المدرسة التقليدية من عبارة لماذا يتخذ (الناس) قراراً بالشراء؟
وبين هذا وذاك فقد ظل ، مؤسس المذهب الفردي في الاقتصاد، العالم النمساوي كارل منجر، مدافعاً بان الاقتصاد الجزئي الذي هو اساس فرديته هو ليس من العلوم الصرفة مهما بلغت درجة التحليل التجريبي فيه.
وانه مجرد فرع من العلوم الاجتماعية التي تهدف الى تصنيف الناس ووضع افعالهم وانماط سلوكهم باطار منطقي، وان غايته من ذلك هو تأكيد الطبيعة المضطربة لعلم الاقتصاد، مبتعداً في الوقت نفسه عن استعمال التحليل الرياضي والاحصائي.
ختاماً، فعلى خلاف المذهب الفردي والمدرسة النمساوية، اظهرت نتائج الاختبارات الاحصائية والتجارب القياسية في مجال الاقتصاد الجزئي، التي قام بها كولن كاميرون من معهد «كاليفورنيا للتكنولوجيا» والذي نشرت ابحاثه بين العام 2011 والعام 2014 في المجلة الاقتصادية الاميركية، ان نسبة 61 بالمئة من تجاربه جاءت مطابقة للوقائع الاقتصادية وهي نسبة مؤثرة ومماثلة لنتائج تجارب العلوم الطبية والوراثية وغيرها من العلوم الصرفة.