دمشق- العرب اليوم
تمكّنت هيئة تحرير الشام وهي تحالف لفصائل إسلامية متشددة تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) من إحراز تقدّم واضح في القتال الدائر بينها وحركة أحرار الشام المدعومة تركيا.
ونجحت هيئة تحرير الشام التي توجد تحفظات دولية كبيرة تجاهها في السيطرة على جميع النقاط المحيطة بمعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا الأمر الذي قد يضطر الأخيرة إلى التدخل المباشر.
وقال أحد سكان أطمة، وهي بلدة شمالي المعبر، على تواصل مع مسؤولين ومقاتلي معارضة محليين إن معبر باب الهوى أصبح محاصرا بشكل فعلي من الجانب السوري.
وأضاف أن هيئة تحرير الشام “سيطرت على التلال المحيطة بباب الهوى” لتصبح على بعد كيلومتر من المعبر. وذكر أنّ المعبر فقط لا يزال تحت سيطرة أحرار الشام.
وقال مصدر في أحرار الشام أيضا إن تحرير الشام حاصرت المعبر لكنه تعهد بعدم التخلي عنه.
ويعدّ معبر باب الهوى الشريان الوحيد الذي يمدّ محافظة إدلب بمختلف مستلزماتها من أغذية وأدوية، فضلا عن أنه المنفذ الوحيد بالنسبة إلى المنظمات الإنسانية إلى المحافظة، وبالتالي سيطرة هيئة تحرير الشام سيثير مخاوف تلك المنظمات الذي ربما ستضطر لتعليق أنشطتها، كما أنه قد يدفع تركيا إلى إغلاقه ما يعني تحويل إدلب إلى سجن كبير.
وشكّلت إدلب على مرّ الثلاث سنوات الأخيرة ملجأ لمئات الآلاف من النازحين من مناطق مختلفة من سوريا، ويخشى العديد أن يؤدي سيطرة هيئة تحرير الشام على المحافظة إلى أن تتحول إلى موصل جديدة.
تقدّم هيئة تحرير الشام لم يقتصر فقط على المعبر حيث سجلت نجاحات في عدة بلدات منها بابسقا، وسرمدا، وكفرلوسين، وقاح، وعقربات في ريف إدلب الشمالي، وسط انهيار لافت لدفاعات أحرار الشام، رغم الإسناد التركي.
وكانت مصادر بالمعارضة السورية كشفت أن نحو 150 من المعرضين السوريين تدعمهم تركيا وصلوا إلى محافظة إدلب الخميس لدعم جماعة أحرار الشام، وسط معطيات تروّج لها الأحرار عن أن تركيا قد تتجه لإرسال المزيد من الدفعات لإنقاذها.
وقال مسلح في المعارضة السورية مطلع على الموقف في إدلب لكنه لا ينتمي لأي من الجماعتين إن هيئة تحرير الشام هي المتفوقة في القتال. وأوضح “الأمر سينتهي لصالح النصرة… أحرار (الشام) على وجه خاص انتهت. في الواقع هم يتواجدون في باب الهوى وقريتين أو ثلاث. سيبقون لأن الأتراك في صفهم”.
ورفضت هيئة تحرير الشام الخميس مبادرة للوساطة من جانب رجال دين بارزين. وقالت إن السبيل الوحيد لإنهاء القتال هو إقامة إدارة محلية إقليمية للشمال الذي يسيطر عليه مقاتلو الفصائل تساعد في المصالحة وردع التدخل الأجنبي في الصراع.
ويرى متابعون أن موقف الهيئة متوقع خاصة وأن مجريات القتال تصب في صالحها، وهي لطالما كانت تسعى إلى أن تكون صاحبة الكلمة الفصل في إدلب.
وفي حال نجحت الهيئة في تحقيق هذا الهدف فإن مستقبل إدلب سيزداد سوداوية حيث لن تقبل روسيا أو الولايات المتحدة الأميركية أن تكون هذه المحافظة الاستراتيجية تحت سيطرة المتشددين، كما أن ذلك سيشكل إحراجا كبيرا لتركيا.
وهاجم علي العمر زعيم حركة أحرار الشام في شريط فيديو بث الجمعة على “يوتيوب” هيئة تحرير الشام واعتبر هجماتها الهدف منها إنهاء الثورة السورية وتحويل مناطق أهل السنة إلى موصل جديدة.
والسبب المباشر في اندلاع شرارة القتال كان حين رفضت هيئة تحرير الشام رفع علم “الثورة” مصرة على أن يكون علمها ذو اللون الأسود والمكتوب عليه “لا إله إلا الله” هو الذي يرفع فوق الدوائر بالمحافظة.
ولفت علي العمر إلى أن هجمات الهيئة لم تكن بشكل عفوي مؤكدا وجود معلومات تفيد بأن “الهيئة” كانت تعدّ العدة وتحضّر لهجومها ضد حركته منذ عدة أسابيع وقد نشرت المعسكرات لتدريب عناصرها.
ويقول مراقبون إن الموقف التركي مثير للانتباه حيث أنها إلى الآن لم تتحرك بحزم تجاه هيئة تحرير الشام المتقدمة حاليا، واقتصرت على ارسال بضع عشرات من العناصر التابعة لعملية درع الفرات لدعم الأحرار.
ويرى محللون أن سرعة انهيار عناصر أحرار الشام قد يكون السبب خلف الموقف التركي الذي ربما يرى أنه من الأفضل تعويم مجموعات أخرى على غرار نورالدين الزنكي وفيلق الشام، المقربتين من هيئة تحرير الشام في فرض نفوذها على إدلب.
وجدير بالذكر أن فصيل نورالدين الزنكي قد اعلن الخميس انشقاقه على هيئة تحرير الشام، قبل ساعات من طرح نفسه كقوة فصل بين الفصيلين المتناحرين.
ويقول اصحاب هذا الرأي إن تركيا ماتزال على دعمها لهيئة تحرير الشام التي يبدو أنها رقم صعب في إدلب يصعب كسره، رغم ما تروّج له أنقرة لدى الروس بأنها أوقفت ذلك الدعم.
وسبق وأن اعتمدت تركيا هذا سيناريو أي تعويم المتطرفين في أكثر من مناسبة الأول حينما دفعت هي وقطر جبهة النصرة إلى تغيير اسمها إلى جبهة فتح الشام وإعلان الانفصال التنظيمي عن القاعدة، ولكن ذلك باء بالفشل ولاقى معارضة شديدة من روسيا، ثم حينما طالبت جبهة فتح الشام بالانصهار ضمن هيئة تحرير الشام، واليوم ربما تفكر في ذات الشيء تحت مسميات جديدة.
بالمقابل يرى البعض أن تركيا تدرك أنه من الصعب خداع الروس والأميركان بذلك، وقد يكون الهدف من عدم التدخل السريع لنجدة الأحرار، هو السماح بمزيد تغوّل الهيئة لشرعنة تدخلها المباشر في المحافظة.