دمشق ـ وكالات
يتوجه الكاتب نوفل نيوف في كتابه المسعودي إلى الناشئة متوخياً الأخذ بأيديهم وتشجيعهم على قراءة كتب التراث سعيا إلى تبديد ما يخالط بعض الأذهان من اعتقاد يكاد يصبح يقينا بأن كتب التراث عسيرة القراءة وعصية على الفهم وأنها مكتوبة بلغة عتيقة مقعرة وألفاظ مهجورة لا سبيل إلى التواصل معها اليوم. ويرى الكاتب أن تخطي هذه المشكلة يتطلب إقامة جسر بين الناشئة ومختارات من التراث مشوقة وميسرة أي المحافظة على لغة كاتبها وعصرها من جهة وأن يتم التصرف بها في بعض المواضع بما تمليه الضرورة من جهة ثانية بما في ذلك استبعاد جمل وتعابير وتفاصيل فات زمانها أو ليست جوهرية وتوضيح كلمة بمرادفة عصرية أحيانا على ألا يطال التصرف إلا عبارات أو مفردات محددة في النص تفيض عن حاجة الفتيان أو قدرتهم على الفهم. وانصب اهتمام نيوف في ما اختاره من مشاهدات الرحالة المسعودي وإخباره على ما رآه مفيدا وطريفا ومشوقا ونابضا بالمعلومة والعبرة في أهم ما وصل إلينا من كتبه عن طريق تجميع أخبار ومعلومات عن موضوع معين كانت متفرقة على صفحات مختلفة من هذا الكتاب لتبدو كأنها نص واحد متكامل. ولم تنحصر غاية الكاتب في إطلاع الناشئة على حياة المسعودي والتعريف بعصره ورحلاته وأعماله وإنما جعل القارئ يشعر بالشوق والرغبة في قراءة كتب التراث وعدم الاكتفاء بالشائع والمسموع أو بتلقف متفرقات الأخبار المبثوتة اعتباطا هنا وهناك وعلى صفحات الانترنت مثلا. وتمكن نيوف في كتابه هذا من تحرير القارئ الفتي من خوف التراث وتحريك خياله وإغناء قاموسه اللغوي وترسيخ يقينه بفائدة العودة يوما إلى المصادر الأولى والتفاعل مع أساليبها ومفرداتها وتذوق جمالياتها سواء في ذلك كتب الجاحظ والتوحيدي وابن رشد وأبي تمام والمدينة الفاضلة للفارابي ورسالة الغفران للمعري... وأوضح الكاتب أن المسعودي كان يؤمن منذ القرن العاشر الميلادي بكروية الأرض وبالجاذبية غير أنه كان يتحدث بوضوح في كتابه مروج الذهب عن الكواكب والأفلاك وعن الدلائل التي تشير إلى أن السماء على مثال الكرة وتدويرها بجميع ما فيها من الكواكب كدورة الكرة وأن الأرض بجميع أجزائها من البر والبحر على مثال الكرة. واختار نيوف في كتابه بعضا مما تضمنه كتاب مروج الذهب حيث اطلع المسعودي أثناء زيارته لمصر على آثار المعابد الفرعونية واصفا الأهرام بأنها معجزة فن العمارة ولكنه كان يظن أنها ليست إلا معبدا هائل الحجم حيث يكثر الحديث عما رآه من المعالم والآثار والشواهد راوياً العديد من القصص التي سمعها هناك عن بناء الأهرام. كما يتحدث المسعودي في كتابه عن القرود وأنواعها وطباعها وعن نوع من العنبر الذي يقذفه البحر على شواطئ بلاد الزنج وساحل الشحر من أرض العرب إضافة إلى حديثه عن اللؤلؤ في بحر فارس الذي يتم اصطياده من أول نيسان إلى آخر أيلول.