دمشق-سانا
يدرس الشاعر والناقد الدكتور نزار بريك هنيدي في كتابه الجديد /في الخطاب الشعري المعاصر/ عددا من مكونات الخطاب الشعري وخصائصه من خلال تسليط الضوء على بعض الملامح العامة التي لحقت بعناصر هذا الخطاب وتجليات هذه التحولات على قصائد عدد من شعراء الحداثة في سورية.
ويرى هنيدي أن الشعراء التقليديين بغالبيتهم ظلوا أكثر قربا من لغة النثر والكلام العادي فبقيت القصيدة التقليدية مرتبطة بمناسبة قولها وبالرسالة المباشرة التي يريد الشاعر توصيلها إلى قرائه ومستمعيه معتبرا أن بعض الشعراء التقليديين المعاصرين بالغوا في الابتعاد عن اللغة الابداعية.
وبحسب هنيدي ان شعراء التقليد عادوا إلى القواميس والمعاجم يستخرجون منها الكلمات الغريبة التي ابتعدت عن نطاق اللغة المستعملة بين الناس ليأخذوا منها المعاني الدقيقة المنصوص عنها وليستخدموها في قصائدهم للتدليل على سعة ثقافتهم وعمق ارتباطهم بتراثهم فازدادوا بذلك بعدا عن لغة الشعر الحقيقية من حيث لا يدرون.
وكان الانجاز الأول لحركة الحداثة وفق ما قال هنيدي هو رفض الكلمات القاموسية التي خرجت من لغة الحياة اليومية معتبرا أن الشاعر تي إس إليوت يعد واحدا من أكبر سدنة الحداثة الشعرية في العالم.
وفي الكتاب صنف هنيدي الموسيقا على أنها من أهم العناصر التكوينية في بنية الخطاب الشعري باعتبارها إيقاعا مستقلا سابقا للتعبير بالكلمات فالإيقاع سابق على اللغة وهناك دلائل تجعلنا نتخيل أن الإنسان البدائي استخدم الإيقاعات المختلفة كإشارات تعبر عن انفعالاته قبل أن يتوصل إلى اختراع الكلمات.
وأوضح هنيدي أن التجلي الأعمق لرؤية الحداثة في الخطاب الشعري هو ذاك الذي لحق بالصورة الشعرية وأخرجها من موقعها التقليدي كأسلوب للشرح والتعليل أو أداة للزخرفة والزينة لتصبح عماد بناء الشعر ولتلتحم بشكل عضوي بجميع عناصر الخطاب الشعري ولتصبح الصورة هي المركز الذي تتفاعل فيه جميع هذه العناصر وتتضافر في حزمة تشع بالإيحاءات والدلالات التي يستقبلها المتلقي.
ولفت هنيدي إلى أن عناصر الصورة يجب أن تكون ملتحمة التحاما عضويا ومركزة بشكل ينفي أي استطالات أو زوائد يمكن لها أن تشوش عملية التلقي أو تحددها في مسارات مسبقة كما أن ابتعاد الصورة الحديثة عن تقنيات التشبيه والاستعارة التقليدية تتطلب ايضا أن تكون العلاقة بين عناصر الصورة علاقة وحدة كاملة لا علاقة مشابهة في وجه واحد دون الوجوه الأخرى.
ومن تقنيات الخطاب الشعري هي تقنية القناع التي يستنكف فيها الشاعر عن الكلام بصوته الخاص ليتقمص شخصية يتحدث باسمها ولا يعني ذلك استلاب شخصية الشاعر أو اكتفائه بتمثيل دور الشخصية التي يتقمصها وإنما تقوم التقنية أساسا على التفاعل العضوي بين شخصية الشاعر وشخصية القناع من أجل بلورة موقف خاص أو رؤية جديدة.
كما اعتبر هنيدي أن التناص هو أحد مكونات الخطاب الشعري فالشعر لا يصنع إلا من قصائد أخرى والروايات من أعمال مماثلة ليخلص المؤلف إلى أن الشاعر في الخطاب التقليدي ينشئء نصه ليعبر فيه عن معنى مسبق مكتمل في ذهنه وغايته الأولى إيصال هذا المعنى إلى المتلقي وكل ما يستخدمه في النص من عناصر جمالية لغوية وإيقاعية وتخييلية لا هدف لها سوى توضيح هذا المعنى وإغراء المتلقي بقبوله.
ويوضح ان المعنى من الخطاب الشعري الحداثي يكون نتيجة لعناصر الخطاب وليس سببا لها اي أن المعنى يتخلق في ذهن المتلقي بعد تفاعله مع لغة النص وإيقاعاته وصوره التي تخلق لديه مناخا حسيا وعاطفيا يقوده إلى استنتاج معنى ما.
وعبر الرؤى التي يذهب إليها هنيدي في كتابه الصادر عن اتحاد الكتاب العرب والذي يقع في 250 صفحة من القطع الكبير يستشهد بعدد من الشعراء مثل نذير العظمة وفايز خضور ونازك الملائكة وعبد الرزاق عبد الواحد وجلال قضيماتي وممدوح السكاف وغيرهم ليعالج بعض ما ذهبوا إليه وفق نظرته التي ارتكزت على ما اكتسبه من ثقافة شعرية قد تكون لها خصوصيتها كما يفعل أغلب النقاد.