المنامة _ العرب اليوم
صدر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كتاب توثيقي جديد يحمل عنوان (المسيرة والإنجاز 2015)، حيث يسرد قصة النجاح الخليجي في تحويل التطلعات إلى واقع، والأهداف إلى إنجازات، انعكست إيجابا على أمن واستقرار الدول الأعضاء، ورخاء وتقدم شعوبها، لافتا إلى أن المسيرة الخيّرة لمجلس التعاون تشهد وبشكل متواصل إضافات نوعية إلى سجل إنجازاتها، وبما يشمل كافة القطاعات والمجالات.
ويرصد الكتاب الذي يقع في أكثر من 300 صفحة من القطع الكبير، أهداف مسيرة العمل المشترك وإنجازاتها في جميع المجالات خلال السنوات الماضية، معتبرا أن المجلس أصبح عاملا رئيسيا في تحقيق الأمن والاستقرار ليس فقط لدوله وشعوبه بفضل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، وحققت مزيدا من التعاون الوثيق فيما بينها، وإنما للمنطقة والعالم أجمع بفضل الدور والثقل الذي بات يتمتع به المجلس في الساحة، وقدرته على تسوية المشكلات والنزاعات الإقليمية والدولية.
ويُقسم الكتاب إلى خمسة أبواب يتناول كل منها عدد من الفصول، إذ يستعرض الباب الأول حجم التعاون في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية بين دول التعاون وبعضها، مؤكدا أن التجانس بين الدول الأعضاء أسهم في تمكين المجلس من تبني مواقف موحدة تجاه القضايا السياسية المختلفة، ولا أدل على ذلك من العديد من الإنجازات التي تحققت على مدار تاريخ المجلس، سيما تجاه قضايا وملفات النزاع والتوتر سواء الطارئة منها أو المزمنة، من قبيل حرب تحرير الكويت، ومساندة الإمارات في قضية جزرها المحتلة، أو أزمة البرنامج النووي الإيراني، أو قضية اليمن و غيرها، فضلا بالطبع عن دعم القضية الفلسطينية وعملية السلام بالشرق الأوسط، ودعم السلام والاستقرار في العراق وليبيا وسوريا وغيرها.
وأشار الكتاب إلى أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية بفضل توحُد إرادات قيادته ورغبة شعوبه، كان له دوره الإيجابي الكبير في دعم وحدة واستقرار اليمن ومسيرته التنموية، وذلك بالنظر إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ووقوفه بجانبه في مواجهة خطر الإرهاب والانقلاب على الشرعية التي قام بها البعض هناك، واستهدفت تقويض دعائم أمنه واستقراره السياسي، وبالنظر أيضا لدعم المجلس وتأييد دوله لعملية التطوير والتحديث في الوطن العربي ككل، والحوار مع الدول الصديقة والمجموعات الدولية، والتي أفرد لها بابا مستقلا بذاته.
وأبرز الكتاب إنجازات المجلس على صعيد العمل العسكري الخليجي المشترك، والذي تمثل في اتفاقية الدفاع المشترك، والاستراتيجية الدفاعية لدول التعاون وتفعيل دور قوات درع الجزيرة، والقيادة الموحدة والتكامل الدفاعي، والأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية والاتصالات المؤمنة وغير ذلك الكثير، ما مكّن دُول المجلس من الوقوف بثبات أمام مصادر التهديد وأشكال المخاطر بأنواعها، وهو الأمر ذاته الذي تم على صعيد التعاون الأمني بين دول المجلس وبعضها، وأسهم في سيادة مناخ الأمن والاستقرار الذي تتمتع به.
يشار هنا إلى أنه تم إقرار الاستراتيجية والاتفاقية الأمنية الشاملة وغيرها، والتي كفلت لدُول التعاون الخليجي رفع مستوى عمليات التنسيق الأمني المتبادل، الأمر الذي كان له عظيم الأثر في تطوير جوانب العمل المشترك على الصعد كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتسهيل حياة المواطن الخليجي بشكل عام الذي لم يعُد يشعر بأن هناك ثمة حواجز يمكن أن تمنعه من التواصل والتفاعل مع أشقائه الخليجيين، وأنه بإمكانه التحرك والتنقل بين الدول الخليجية وبعضها بكل سهولة ويسر.
ورأى الكتاب في بابه الثاني، الذي تناول أبرز نجاحات المجلس في مجال التعاون الاقتصادي بأن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة 1981 والاتفاقية الاقتصادية 2001 وضعت دول المجلس على أول طريق التعاون والتكامل الكامل فيما بينها، خاصة بالنظر إلى المنجزات المحقّقة على هذا الصعيد، والمتمثلة في قيام المجلس النقدي الخليجي ودخول اتفاقية الاتحاد النقدي والنظام الأساسي للمجلس النقدي حيز النفاذ في 2010، والذي سبقه عام 2007 إعلان قيام السوق الخليجية المشتركة، وهي الإنجازات التي ساهمت بمجموعها في تشجيع التبادل التجاري من جهة، وتنسيق المواقف وزيادة معدلات التعاون والتنسيق الخليجي المشترك من جهة أخرى.
ولعل إقرار الاتحاد الجمركي عام 2003 وإنشاء هيئة له عام 2012، فضلا عن النجاح المنقطع النظير في تحقيق متطلبات المواطنة الاقتصادية، حيث لم يعُد هناك خليجي إلا ومُرحّب به في بقية دول المجلس، فضلا عن التعاون في المجالات المصرفية، وتقريب وتوحيد السياسات المالية والاقتصادية، وتكامل الأسواق المالية، والشروع في عملية الاتحاد النقدي والعملة الموحدة، وغير ذلك الكثير، ما يثبت أن دول التعاون قطعت شوطا كبيرا في مجالات التعاون الاقتصادي المختلفة، وأنها لا ينقصها سوى خطوات محدودة لاستكمال ما بدأته من أجل تحقيق سياسة اقتصادية داخلية واحدة ومتكاملة تضمن من ناحية المنافسة مع أقطاب العالم الاقتصادية من قاعدة ثابتة وموقف جماعي مشترك، وتسهيل انتقال السلع والخدمات والمواطنين من ناحية أخرى.
ونظرا لأن الإنسان هو محور وهدف التنمية في دول التعاون، وركن ركين للعملية التكاملية الخليجية برمتها، فقد أفرد الكتاب عشرة فصول في بابه الثالث ليتناول كيف نجحت مسيرة التعاون الخليجي في تنمية هذا المورد البشري المهم، والارتقاء به وحمايته انطلاقا من إيمان خليجي عميق بكرامة الإنسان بداية من التعليم باعتباره أساسا مهما لخطط النمو ومشروعات التقدم، وانتهاء بالعمل الشبابي والرياضي المشترك، ومرورا بالطبع بالنهوض بمستويات التعاون في مجالات العمل والخدمات الاجتماعية والثقافية والبيئية والصحية وغيرها، والتي تمثل في مجموعها أساسا داعما من دعائم التطور والتقدم، وتأكيدا لاحترام دول المجلس لحقوق وحريات الإنسان الخليجي.
وفي الباب الرابع، يوضح الكتاب مسيرة وخطوات التعاون العدلي والقضائي بين دول المجلس وبعضها، سيما على صعيد اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية، وعلى صعيد القوانين الموحدة التي صدرت وأقرت في مجالات عدة كالأحوال الشخصية والمدني والجزائي والأحداث والمحاماة والمرافعات وغيرها، كما يبرز هذا الباب أيضا مدى التطور في آلية ونظام عمل ومنجزات الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى الخليجي، وهي الهيئة التي تثبت يوما بعد يوما مدى ما يمكن أن تقدمه من دراسات ورؤى لتطوير عمل المجلس، وأطر التعاون الثنائي المختلفة بين دوله، وكيفية تطوير الآليات والأدوات المناسبة لتفعيلها.
ويركز الكتاب في الباب الخامس والأخير على حجم النجاح الذي حققه مجلس التعاون بعد أن تحول على مدار تاريخه العريق إلى كيان جماعي قادرا على التواجد والتمثيل والتعبير عن دول المجلس، والتفاوض باسمها مع الكيانات الدولية الأخرى، وقد تمثل هذا النجاح في جانبين، أحدهما يتعلق بالشق الاقتصادي بالنظر لمستوى وأبعاد العلاقات المتعددة والعميقة والشاملة مع الدول العربية أو مع الاتحاد الأوروبي أو مع الصين وباكستان والهند وكوريا وماليزيا وغيرها، أما الجانب الآخر فيتعلق بالشق الخاص بالحوارات الاستراتيجية مع الدول والمجموعات الإقليمية، والتي زادت هي الأخرى تنوعا وشمولا، وعلى رأس هذه الدول والمجموعات: روسيا الاتحادية واليابان وأستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والآسيان وتركيا وغيرها، وهي الحوارات التي لا تستهدف فحسب تطوير العلاقات بين دول مجلس التعاون والدول والمجموعات الأخرى بشكل متكامل، وذلك عبر الحوار المتبادل حول المصالح والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وإنما تشمل أيضا ترسيخ مكانة دول المجلس في ساحة التفاعلات الدولية، ودورها في تسوية وحلحلة الملفات المختلفة.