الخرطوم ـ عبد القيوم عاشميق
أبدى محافظ البحر الأحمر السوداني السابق، أستاذ القانون الدولي، الفريق شرطة عثمان أحمد فقراي أسفه الشديد على التصعيد المصري في قضية "حلايب"، مشدّدًا على ضرورة تمسّك بلاده بالمثلث الوارد في خارطة الاستقلال، ومبيّنًا أنَّ موجات التهجير المصريّة نحو الإقليم ستؤدي إلى تعقيد المشكلة عند التوصل إلى اتفاق أو إجراء استفتاء. وأوضح فقراي، في حديث إلى "العرب اليوم"، أنَّ "القضية مرتبطة مع المتغيرات السياسية، فكلما برز خلاف بين البلدين تظهر الأزمة إلى السطح، مثلما يحدث الآن، فالجانب المصري يتحدث عن إقامة محطة إذاعية وتلفزيونية في حلايب، وهذا يعدُّ تصعيدًا للخلاف". وبشأن الحملة الإعلاميّة المصريّة، التي شنّتها أخيرًا، وسخرت فيها من السودان، أكّد فقراي أنّه "ما كان ينبغي أن يقود الجانب المصري حملة كهذه"، واصفًا الخلاف بأنه "قديم متجدد"، معتبرًا أنَّ "الحل يكمن في اللجؤ إلى التحكيم الدولي، أو الاستعانة بأصدقاء، أو اللجؤ إلى الاتحاد الأفريقي". وبيّن أنَّ "المشكلة التي تواجه السودان تتمثّل في أنَّ الجانب المصري لا يرغب في التحكيم الدولي، والمعروف أنَّ خطوة كهذه لابد أن تتم برضاء الطرفين"، لافتًا إلى أنَّ "الأزمة قديمة، لكن ما بدأ يحدث منذ مطلع العام 1992 مختلف، بحجة تورّط الحكومة السودانية في دعم الحركات الإسلامية، وأعقب ذلك التحوّل إتهام بالتورط في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ما أزّم العلاقات بين البلدين، وبناء على هذه الأسباب دخلت القوات المصرية مثلث حلايب، في وقت كان السودان فيه منشغل بحرب الجنوب". وكشف فقراي عن أنّه، عندما كان مديرًا لشرطة البحرالأحمر، ومحافظًا هناك، "كان يقوم بزيارة إلى كل المثلث، وكانت هناك وحدات استطلاع مصرية بموجب اتفاق سابق بين النميري والسادات، لأسباب أمنيّة"، مشيرًا إلى أنَّ "الطيران الإسرائيلي استفاد من الطيران المنخفض، وتمكّن من ضرب الجيش المصري، في حرب 73، لذلك تمَّ لاتفاق على وضع نقاط للمراقبة النظرية، داخل المثلث، بغية مراقبة الطيران الإسرائيلي المنخفض، وهذا لم يعطل ممارسة السودان لسيادته على المثلث كاملاً"، مؤكّدًا أنّه "كان يعبر هذه النقاط دون اعتراض مصري، بغية متابعة سلطاتي على منطقة شلاتين وحلايب". وبشأن الخيارات التي يراها مناسبة للتوصل إلى حل، أوضح أنَّ "اللجؤ إلى الاتحاد الأفريقي هو أحدها، حيث يتحدث ميثاقه عن أنه لا يجوز لدولة ما أن تغيّر في الحدود المتوارثة، وهذه الحدود متوارثة حينما نال السودان استقلاله عن مصر في العام 1956، وحينها أودع خارطة الدولة، التي ورثها عن الاستعمار، بما فيها مثلث حلايب، وعلمها وشعارها لدى الأمم المتحدة، ولم تسجل مصر اعتراضًا على تلك الخارطة، واعترفت بها كما اعترفت بريطانيا، وهما دولتا الحكم الثنائي". وأضاف أنَّ "سكان مثلث حلايب هم من قبائل البشاريين السودانية، والتي تنتشر حتى نهر ولاية نهر النيل شمال السودان، وعددهم حوالي ثلاثين ألف نسمة، يحتفظون بجنسيتهم السودانية، وقد عملت السلطات المصرية على منحهم الجنسية المصرية، على الرغم من أنّهم لم يتنازلوا عن جنسياتهم السودانية، لكنهم قبلوا الجنسية المصرية، بحكم الأمر الواقع، وفي حيازتهم الآن بطاقة شوؤن القبائل". وتابع "المعروف أنّه يتم اللجؤ إلى الجنسية الأصلية عند النظر في خلاف كهذا، فحسب القانون الدولي، ولحسم نزاع كهذا، يُؤخذ بالجنسية الأصلية"، مبيّنًا أنَّ "الحديث عن تحويل حلايب إلى منطقة تكامل سوداني مصري، دون حسم مسألة السيادة الوطنية على المثلث، لا قيمة له، حيث يتوجب أولاً حسم مسألة السيادة السودانية على الأرض، ثم بعد ذلك يمكن أن تصبح حلايب منطقة للتكامل الاقتصادي والتجاري والاجتماعي والثقافي، مع بقاء السيادة للسودان، وتكوين قوات مشتركة لتأمين الحدود بين الدولتين". واختتم فقراي حديثه إلى "العرب اليوم"، بمطالبة الجانب السوداني بـ"المزيد من الاهتمام والمتابعة"، موضحًا أنّه "الأمر، حال ترك على ما هو عليه، يمكن أن يشهد تطّورًا متمثلاً في موجات تهجير من الجانب المصري نحو المثلث، وهو ما سيُعقد الوضع في المستقبل، إذا تمَّ اتفاق على الحسم، عبر إجراء استفتاء مثلاً، وفي الوقت الحاضر يجب أن يتمسك السودان بأن يظل الوضع على ما هو عليه، دون أيّ تعديل وتغيير لهوية الناس والمواطنيين السودانيين، إلى حين التسوية بالطرق الدبلوماسية والودية، طالما أنَّ الجانب المصري لا يرغب في الذهاب إلى المحكمة الدولية".