زيورخ - منى المصري
تقدّم المعارض الفنية التجارية في زيورخ أهم معروضاتها في يونيو/حزيران من كل عام، ليتزامن مع المعرض الفني البارز لهذا العام، "آرت بازل"، وبالطبع "آرت بازل" لم يعد موجودًا، إذ استمر المعرض لبضعة أيام في منتصف الصيف، ولكن معرضًا ممتازًا يجمع أعمال ديفيد سميث وألكسندر كالدر معاً يستمر إلى منتصف سبتمبر/أيلول المقبل، في إحدى المساحات في متحف هوسر وفيرث في مبنى مصنع الجعة القديم، ويستحق المعرض الزيارة إذا كنت تمر في المدينة هذا الصيف، ومن حيث الشخصية، فإن هذين الفنانين لا يمكن أن يكونا أقل تماثلاً.
ويعتبر كالدر "مواليد 1898"، و الذي جاء من عائلة من النحاتين من جانب والده، اجتماعيا للغاية، ومتزوجا من حفيدة الكاتب هنري جيمس، ووضع نفسه على طريق الشهرة دولياً، وتعامل مع بائعي القطع الفنية الأعلى انتشارا تجاريا، وعاش في باريس ونيويورك، وإلى جانب قطعه الفنية المتنقلة، هناك قطع خفيفة جدا ترقص في الفراغ، تراوح إنتاجه بين أعمال تعرض في الهواء الطلق ذات أبعاد شاهقة لمجموعات من المجوهرات المصنوعة من النحاس والصلب والسيراميك والزجاج، وحتى شملت زخرفة طائرة ملك برانيف في عام 1975.
وعمل سميث "مواليد 1906"، في بداية حياته في خط إنتاج سيارات، قبل دراسة الألوان والرسم في كلية الفنون في نيويورك، وهناك أنشأ شركته وعمل مع فنانين رائدين مثل "أرشيل غوركي" و"وليام دي كونينغ" في 1930، ولكنه أبعد نفسه عن المشهد الفني في نيويورك بحلول عام 1940، فانتقل بعيدا عن المدينة، وبدأ في عمل المنحوتات المصنوعة من الصلب باستخدام مشعل نفخ، وهو أول من فعل ذلك، منتجا عمل ثلاثي الأبعاد تتبع فيه الكثير من أفكار فناني التعبير التجريدي، ولكن سميث كان رجلا محبا للعزلة، ولم يكن مهتما بخلق سوق لأعماله، وحصل دائما على الاحترام الأكاديمي أكثر من الشهرة الشعبية.
ويركز العرض في "هوسر و ويرث"، على أهداف الفنانين المشتركة، فلكل منهما فنانًا تجريديًا، وفتح أفاق جديدة لما يمكن أن يكون النحت عليه، وتحديا فكرة أن الصلابة والحجم ضروريان للشكل، واستخدما خطاً بديلا عن ذلك باستخدام الألوان والرسم لخلق منحوتات تبدو كلوحات ثلاثية الأبعاد، كما قام كلا الفنانين بتطبيق الطلاء على المعدن، وقاما بكسر الحدود القائمة بين الممارسة وتغيير التعاريف القائمة، وبالمثل، فإن أعمال الأثنين يمكن أن تنقل الوهم أن الجاذبية لا وجود لها، فعلى سبيل المثال، "ريد فالورز موبايل" لكالدر (954)، يطفو بحرية مثل عمل سميث "باراليل 42" (1953) الذي يبدو أنه يرتفع عن الأرض دون عنا، إذ يتحرك على ساق نحيلة.
وتظل القطعة الأكثر إبهارًا هي القطعة التي تنتمي إلى "سميث"، إذا صنع "كالدير" 4 طائرات في الفضاء (1965) تبدو وكأنها تستمتع بالرقص، ولكن زيغ 1 (1961) ل"سميث"- وهي عبارة عن مجموعة من الصلب المنحوت بشكل خفيف مكون من الألواح المنحنية والمسطحة، تبدو من زوايا معينة كما لو يمكنها أن تنطلق عبر الغرفة، تحتوي الإصدارات اللاحقة على عجلات، ولكن النظر إلى المجموعة الأولى من هذه السلسلة، يجعلك تتساءل عما إذا كانوا حقا بحاجة إليها.
وتجعل غزارة إنتاج "كالدر"، مشاهدة أعماله ليست أمرا صعبا، على الرغم من أنها لا تفشل أبدا في الحصول على الإعجاب، ولكن أعمال "سميث" الأقل عددا أصبحت الآن في المتاحف والمؤسسات والمجموعات الخاصة، ومن الصعب جدا رؤيتها، وهذا المعرض يوفر فرصة عظيمة لرؤية بعض الأعمال الرائعة.