بغداد-نجلاء الطائي
يعد الشاعر رحيم العراقي من فناني جيل السبعينيات المتأثرين بشعراء القصيدة الكلاسيكية من خلال قراءته للشعراء وحبه للشعر الأصيل وقصائد الغزل وشجونه، وحسه المرهف بانتقاء القصائد الذي يراها مناسبة للحنين والاشتياق للمحبين فقد برع بهذا اللون الجميل والمحبب للجمهور.
وكان لـ"العرب اليوم" وقفة معه ليبوح للقراء بكل أسراره. حيث قال: كانت لي محاولات بسيطة في مرحلة الدراسة الابتدائية منها الشعر والمسرحية وبعض الكتابات المنوعة التي نشرتها في مجلة المتفرج أواخر الستينات. ونشرت أولى قصائدي واسمها "بداية" في الصفحة الثقافية بجريدة الراصد التي كان يشرف عليها الأسدي عام 1971، اما بالنسبة للكتابات الشعبية فقد كتبت اولى قصائدي عام 1972 عن قصة حب غير متكافئة عاشها زميلي وصديق عمري قحطان العطار الذي احبَّ فتاة من عائلة ثرية وكان يعمل حينها في فرن صمون بمنطقة البتاوين : "إنتي حال وآني حال وحبنا في حكم المحال أنا جيت أهديج ورده شفت بيتج كـرستال إستحيت ودرت وجهي رحت.صحتيني: تعال أنا وين وإنتي وين ماكو بيها أي مجال. إنتي مثل الشمس تزهي وآني عايش بالظلال".
وكشف تفاصيل حول هويته الفنية قائلًا: "رحيم عودة لعيبي العراقي كاتب مسرحي أولًا وشاعر ومعـد برامج إذاعية وتلفزيونية، من مــواليد 1961 بغداد أقيم في قطر منذ عام 2000 وأعمل منذ منتصف عام2011 بفضائية قطر، كتبت في صحف ومجلات العــراق: "المتفرج، الراصد، طريق الشعب، فنون، الجمهورية" ولصحف ومجلات الإمارات عشرات المقالات الثقافية والمنوعة وكــتبت 26 مسرحية لمسارح بغداد والقاهـرة والإمارات العربية المتحدة أخرجها د.شفيق المهدي ود.حسين هارف وسامي قفطان ومحسن العزاوي ومحسن العلي ومحمود أبو العباس وآخرون، وكـتبت الأغاني الوجـدانية واغاني الأطـفال والأغاني المسـرحية والأوبريتات وأعــددت عشرات البرامج المنوعة لتلفزيون دبي مابين عامي 2000-2005 ولتلفزيون سما دبي من20حزيران2005 وحتى 2010 استمر بعضها لمواسم عديدة، أقمت في دبي بدولة الإمارات ما بين عامي 2000-2012 وأقيم حاليًا في الدوحة بدولة قطر".
وأوضح قائلًا: "تأثرت في طفولتي المبكرة بشعراء القصيدة الشعبية الكلاسيكية القدامى الذين كنت أسمع شعرهم وقصصًا عنهم من خلال أخي الأكبر ووالدي الذي كان يجلب دواوينهم والكتب التي تتناول سيرهم أمثال: الحاج زاير وحسين قسام وأبو الغمسي وفدعة وهادي مرزا الحلي والى جانب كتابات الروائي والصحفي شمران الياسري والشاعر الكبير سعدي يوسف ويوسف الصائغ وغائب طعمة فرمان ووليم فوكنر وسالينجر وناظم حكمت وبمؤلفي المسرح العظام شيكسبير وتشيخوف وبريخت ويونسكو وإدوارد ألبي وبشعراء القصيدة والأغنية الشعبية مظفر النواب وأبو سرحان وعريان السيد خلف وكريم العراقي وشاكر السماوي وعزيز السماوي وكان الشاعر الراحل الكبير كاظم إسماعيل الكَاطع هو الأقرب إلى ذائقتي ومنذ بدايتي كنت اكتب ردودًا على قصائده وآخرها قصيدة ما مرتاح التي كتبت تأثرًا بها: مامرتاح.أحس ليلي طويل. وماورا مصباح. ما مرتاح. أحس الجاي من أيامي يتندم على اللي راح. ما مرتاح.ما مستقر لا والله أحس مو عالأرض عايش.على إجناح. ما مرتاح.أحس تعبانه خطواتي. واتعـّكـّـز على إرمــاح. ما مرتاح أحسها إنسدت إبوجهي الدروب إتكَاطعت ياصاح ما مرتاح أحس روح الفرح فاضت بــس حــــزني إبســـبع أرواح".
وأضاف "رحيم": "الشعرُ هو تمايل الحروف والكلمات على إيقاعات النفس البشرية، هو الكتابة بين السطور وخلف السطور، وهو الإيحاء الذي يؤكد أن المعنى في قلب الشاعر، تاركـًا للقارئ مساحات شاسعة لتداعيات أفكاره وهواجسه حين يتعامل مع النص. وهذا يُحوّل النص إلى مشهد من المناخ الطبيعي، نسبر أغواره تارة، وتتبدل كل يوم معالمُ هذا المشهد المناخي مرة بعد الأخرى. والنص الشعري هو النص المتحرك وليس الثابت، هو النص الذي لا يموت بعد قراءته الأولى والثانية والثالثة، وهو النص المفعم بقيم الجمال والموسيقى، وبالقيم الفنية التي تمسحه بالسحر والجمال، والإيحاء في الكتابة الشعرية هو الذي يفتح أبوابًا لأبعاد أُخرى، حين يعتمد الشاعر لغة مجازية شعرية، إذ يرتدي النص عند ذلك زيـّـًا فنيـًا احتفاليًا يميزه عن سائر النصوص الأدبية".
وأبدى رأيه في الأغنية العراقية الآن قائلًا: "خرجت الأغنية العراقية الحديثة من بين أصابع الموسيقار صالح الكويتي، التي داعبت أوتارها واستنبطت منها أجمل وأروع الأنغام. وصارت جزءًا من حياة وتراث الشعب منذ ثلاثينات واربعينات القرن المنصرم، وتوالت من بعده أسماء المبدعين الرواد : القبنجي وديع خونده وعباس جميل ورضا علي وغيرهم، وواكبتها اغنية الريف المحملة بأوجاع الفلاحين ورعاة الأغنام من الرجال والنساء وكانت اغاني داخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم ومسعوده العمارتلي خير معبر عن مشاعر وهموم الناس وهذا ما كتب لها الانتشار والبقاء. وحملت الأغنية السبعينية هذه المضامين والصفات بملامح وإيقاعات عصرية على يد كبار ملحنيها : طالب القرغولي وكوكب حمزة وحميد البصري ومفيد الناصح ومحسن فرحان ومحمد جواد اموري وغيرهم. لكن الأغنية بدات تتعثر في ثمانينات القرن الماضي وإن لم تخل من تجليات بعض المبدعين الكبار. وما الأغنية الراهنة أو أغلب الأغاني التي نسمعها اليوم الا جزء من الظواهر السلبية التي طفحت على سطح الحياة الاجتماعية والسياسية وهي اكيد لا تخاطب ولا تعني بالمثقفين وأشباههم من المهمشين. ولكننا لا ننكر ظهور فنانين رائعين، أقل من عدد الأصابع، هم امتداد لفرسان الأغنية العراقية الصميمة إضافة إلى الفرقة السيمفونية العراقية التي تجاهد من أجل البقاء".
واستطرد: "ديواني الأول "شوارد" وهو كما قلت عنه: هواجس تلقائية غير مرّوضة. تظهر كالدخان المتصاعد من فوهة بركان يغلي. تبحث عن شكلٍ ومعنى.لتكون قصيدة أو تهبط كفكرة غريقة في كهوف الذاكرة. ولم اهتم كثيرًا بمستوى القصائد، وما فكرت بإعادة كتابة بعضها. ولم استرد سهمًا اطلقته وان أخطا الهدف. وأدرجت بعض القصائد لأسباب عاطفية".
وكشف تفاصيل قصيدة كتبها للمرأة العراقية قائلًا: "كتبت عن وفائها وهي ترتدي عباءة وشيلة أمي: إنتي الوفه يلوالده إنتي الهنه يلوالده حضنج دفه وإيدج شفه واللي يجــازيج الوفـه الله بحياته إيساعده. مالي عكَب عينج وِلي بس إنتي بالدنيه إلى مشتاكَه ياديرة هلي ودموع عيني شاهده. يا يمه غربني الدهر والشوكـَ علمني السهر وشراعي هايم بالبحر والريح كلهه إتعانده. ياوالده إســـــنين الحــزن صارن سواجي إعلى الجفن وإنتي الوفـــه وكَــلبج يحن حّــن الحمامة الفاكَـده.
و كتبت عن حياتها المجتمعية والعاطفية وهي مطالبة بتقديم كشف حساب لحياتها: لا تحاسبني على شيٍ مضى.. وتفتح إجروح وروايات وأسـَّيه لا تـسّـمعني نصيحه وموعظه.. لاتشّــــرح ذكرياتي واني حــيـّـه تحت كلماتك وساوس مغرضه.. وبثيابك قاضي يبحث عن قضيه كـان ياما كـان. لكـنه إنقضـى.. وما تكــتبه كل حـروف الأبجدية أنا بعيني ضاقـت الدنيا الفضـا.. وأبحث بعـمري على لحظه هـنية أدفـع بندمي خطايا باهـضـة".
وعبر عن رأيه في جيل الشعراء الشباب وقال: "عندما أكون بين جمهور ملتق للشعر الشعبي في قاعة بيتنا الثقافي بساحة الأندلس ببغداد أشعر بأن الشعر الشعبي العراقي الأصيل ما يزال حاضرًا وبقوةٍ. بل وإن هناك شعراء شبابًا يستحقون أن توضع أسماؤهم وبثقةٍ في أعلى قائمة شعراء العراق الشعبيين الكبار. فقد آن الأوان لترك الأصنام الجامدة والتي نضبت وكفت عن العطاء وأن يأخذ هذا الجيل المعطاء مكانهم على منصة التكريم والاهتمام. وأتمنى أن يعي الإعلام العراقي الرسمي وغير الرسمي هذه الحقيقة ويأخذ بأيدي هؤلاء الشعراء الشباب ويفتح أمامهم سبل التواصل ونوافذ الأمل".
وأضاف: "الشعر بالنسبة لي هو الرحيل الدائم على متن الريح، أن تكون غيمةً في فضاء سرمدي. ولكنك لابد وان تمطر على أرض الواقع. والشعرُ هو القلق المعرفيً ممزوجًا بالألق الداخليّ الذي يضيءُ طريقَ القصائدِ نحو الأوراق. ولكلّ شاعر ظروفه وعالمه ولكلِ قصيدةٍ مناخها الشعوريُّ الخاصّ بها، ولكن الشعر الحقيقي هو الذي تتواجد في الهموم الوجوديّة الكُبرى التي تُحيل الشعر إلى فلسفة لأن الشعر هو جسر العبور من النهائيّ إلى اللانهائيّ. بمعنى آخر هو الطريق إلى المطلق. هذا إذا كان الشعر يمثّل مقدار آدميّة الكائن الحيّ الذي يكتبه فعلًا وليس قولًا. والشعر هو همسة الحالم وشهادة الإحتضار وليس مجرد ألفاظ مكتوبة خصيصًا للمنصّات والمنابر وإثارة الغرائز الدونية، والزعيق وإستجداء الرضا والتصفيق.
وأفصح عن اهتماته الأخرى قائلًا: "أنا كاتب مسرحي أولًا. كتبت أكثر من عشرين مسرحية لمسارح بغداد والإمارات العربية المتحدة أخرجها د.شفيق المهدي ود.حسين هارف وسامي قفطان ومحسن العزاوي ومحسن العلي ومحمود أبو العباس وغيرهم. وامارس مهنة إعداد البرامج التلفزيونية بتلفزيون قطر كوسيلة للعيش. فقط. ويبقى الشعر هو الهاجس الذي لا يفارق مخيلتي.. هل كتبت قصائد شعرية غنائية لااحد المطربين ومن هم على الميعاد".
وأكمل حديثه: "وطني هو أمي وأمي هي طفولتي. وممكن أن نقرأ أو نقول هذه العبارة من الأخير. وانا تعلمت أو قررت أو كان هذا جزء من ترويضي ككائن جديد أن أعتبر الأم هي الأغلى وهي مجسم صغير للوطن الكبير، تتضمن أجمل ما في الوطن من حنان ورعاية ومحبة وألفة.لذلك كنت أشعر باني أتحدث عن امي وانا أكتب عن وطني:
عراقي وأفتخر.آني العراقي
عراقي وأفتخر
والصعبة تمر. وشعبي باقي.
عراقي وأفتخر.
أنا أعلى مناره
وأنا أول حضارة.للفن والشعر.
عراقي وأفتخر.
وإنني أتحدث عن وطني الذي يتداعى وأنا بعيد عنه. في ديار الغربة لا أملك غير الحزن والقلق. أعبر عن كل هذا وأنا اكتب عن أمي وأحاول التعبير عن مشاعرها:
راح الحيل يمه.و الكلب شاب
. تعالولي كبل ما روح يحباب
. خافن يوم لو جيتوني للبيت
. ما تلكون أحد يفتح الباب.
فالوطن والأم هما الطفولة العزيزة الحاضرة في الذاكرة رغم ضباب الزمن.