غزة ـ محمد حبيب
أجبرت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والتي أطلق عليها الاحتلال "عامود السحاب" الكثير من العائلات الغزاوية نفسها في رحلة لجوء جديدة بين برد الشتاء القارس وحرقة البحث عن جدران منازل مؤقتة تعوضهم بيوتهم المدمرة. ففي البداية فقدت عائلة أبو الفول بيتها الكبير الذي يضم ست عائلات، والذي دمره الاحتلال بالكامل بمحتوياته المعيشية كافة من أثاث وملابس، إذ خرجت تلك الأسر بما ترتديه من ملابس فقط. ويقول إيهاب أبو الفول إن "ست عائلات تشتت بعد قصف منزلهم خلال الحرب، فضلا عن خمس عائلات من الجيران تدمرت بيوتها جزئيًا نتيجة شدة الانفجار وتناثر شظايا بيت أبو الفول المستهدف". وأوضح أن "العائلات التي أصبحت من دون ملاذ، تمكنت بعد أسبوع من الحرب من استئجار شقق متفرقة بمعاناة كبيرة، وهي شقق مؤقتة خالية من كل شيء، وعبارة عن جدران فقط من دون أثاث". ولم يجد أبو الفول حلًا مؤقتًا لوضعه، فكيف يكون الحال عندما يفكر في إعادة بناء وإعمار منزله وإنهاء مشكلته بشكل دائم. يذكر أن الاحتلال قصف منزل عائلة أبو الفول في مخيم جباليا شمال قطاع غزة فجر الأحد الـ 18 من تشرين الثاني/نوفمبر مما أدى إلى إصابة 12 مواطنًا. وهذا الوضع لا يخص عائلة أبو الفول، بل يتكرر مع عائلة ريان التي خرجت من بيتها تحمل هموم سبع عائلات لم تجد مبنى يأويها لا يكسوها إلا ملابسها، وبشق الأنفس استأجرت العائلات منازل متفرقة من دون أساسيات البيت الضرورية من كأس الماء حتى الفراش. إذ يلتحف المسن الفلسطيني مصطفى ريان دفء نيران أشعلها في موقد حديدي فوق أطلال منزله الذي دمّرته إسرائيل في الهجوم الذي شنّته في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على قطاع غزة، ويجتمع ريان – الذي يقترب من العقد السادس من عمره - مع أبنائه وإخوته يوميًّا منذ ساعات الشروق الأولى حول موقد يشعلون فيه النار بما تبقى من أخشاب أثاثهم المدمّر، وقبل منتصف الليل بقليل يلجأون إلى خيمة قريبة من ركام منزلهم يحاولون اختطاف سويعات من النوم فيها في ظل برد شديد وأمطار غزيرة. وشنّت إسرائيل هجومًا على قطاع غزة أطلقت عليه اسم "عمود السحاب" بدأته في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 واستمر ثمانية أيام قتلت خلالها 190 فلسطينيًّا وأصابت 1500 آخرين، ودمرت 1500 منشأة، من بينها 92 منزلًا مدنيًّا بشكل كامل. ويقول الشيخ ريان "أعيش تجربة مريرة منذ قصفت إسرائيل منزلي، لم أعشها طوال 57 عامًا قضيتها من عمري، فلم أجد أصعب من رؤية الإنسان لمنزله يدمر بعد أن بناه حجرًا فوق حجر، وأن يعيش بعد ذلك في خيمة بغطاء لا يقي بردًا شديدًا ولا مطرًا غزيرًا". ويضيف ريان "أذكر تفاصيل ما حدث تمامًا كان ذلك في الـ18 من تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي عندما سقط صاروخ من طائرة استطلاع على منزلنا، فهرع جميع من في المنطقة خارج منازلهم خشية تعرّضهم للإصابة". ودقائق من الصمت سبقت زفرة حزن يقول بعدها "بعد دقائق من خروجنا من المنزل، سمعنا صوت انفجار هائلًا، ورأينا نيرانًا شديدة تشتعل في المنطقة وحين وصلنا وجدنا كل شيء قد انتهى، فقد قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية المنزل بصاروخ يزن طنًا - حسب تقديرات خبراء المتفجرات - ما أدى لتدميره بالكامل واحتراق المنزل المجاور له، وتضرر عدد من المنازل المحيطة بشكل كبير". واستخدمت إسرائيل في حربها الأخيرة على قطاع غزة أسلوب قصف بعض المنازل المدنية بصواريخ من طائرات استطلاع – تحدث فتحة صغيرة في السقف - لتحذير ساكنيه، ليغادروه قبل قصفه بصاروخ من طائرة حربية يؤدي إلى تدميره بالكامل. ولدى الشيخ ريان أسرة مكونة من 8 أفراد، أكبرهم سنًا في الثامنة عشرة من عمره، ومجموع من كان يعيش في المنزل المكون من 7 وحدات سكنية من إخوته وأبناء إخوته 35 فردًا، من بينهم 26 طفلًا أقل من 16 عامًا. ولم يتعرض أي من أفراد العائلة للإصابة، فقد تم إخلاء المنزل بالكامل قبل 7 دقائق من القصف الإسرائيلي له. ومنذ قصف المنزل لم يجد أفراد عائلة ريان مأوى لهم سوى تلك الخيمة التي نصبت على مقربة من منزلهم، ولا تتوافر فيها سبل الحياة الكريمة، فلم ينجوا من ركام المنزل أغطية كافية للتدفئة من برد الشتاء ولا حتى ملابس للأطفال والنساء. ويقول الفلسطيني المسن "حصلنا على مبلغ من المال من إحدى الجهات الخيرية، اشترينا به أغطية وملابس للأطفال والنساء، لكنها غير كافية بتاتًا، ولا تعوّض شيئًا مما فقدناه جراء قصف منزلنا، لم نعد نشعر بالاستقرار وحياتنا شديدة القسوة". وتلقت العائلات الفلسطينية المدمرة منازلهم في الحرب الأخيرة، وعودًا من الحكومة في قطاع غزة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لإعادة إعمارها، لكن لم تظهر أي بوادر لذلك حتى الآن. وتعيش أكثر من 150 عائلة فلسطينية في قطاع غزة دمّرت منازلها خلال الهجوم الأخير ظروف عائلة ريان نفسها، وأفضلها حالًا يعيش في منزل صغير خالٍ من الأثاث تمامًا، استأجره بالمال القليل الذي تبرعت به بعض الجهات الخيرية. من جهته، قال وزير الأشغال العامة والإسكان دكتور يوسف الغريز في تصريح صحافي سابق إن "دخول مواد الإعمار عبر معبر رفح يشكل دفعة قوية لمشاريع الإعمار، ويفتح الأفق واسعًا أمام إقامة آلاف الوحدات السكنية وإعمار المنازل المدمرة في قطاع غزة". وأكد الغريز أن "الأيام المقبلة ستحمل الخير الكثير لأبناء شعبنا، وأن دخول هذه المواد يمثل بدء كسر الحصار على مواد الإعمار". وتشير حصيلة أعمال الرصد والتحقيقات الميدانية التي أجراها مركز الميزان للخسائر والأضرار التي لحقت بالسكان وممتلكاتهم إلى أن "مئات الشقق السكنية التي لحقت بها أضرار طفيفة، وبلغ عدد المنازل السكنية المدمرة "561"، من بينها "44"دمرت كليًا و"317" لحقت بها أضرار جزئية ومن بينها "69" كانت أضرارها جسيمة. كما أن من بين المنازل المدمرة "16" استهدفت بشكل مباشر، ومن بينها سبعة منازل حذر سكانها بالصواريخ". فيما أكدت وزارة الأشغال في الحكومة المقالة أن "أكثر من 150 وحدة سكنية هدمت كليًا، وما يزيد عن 7000 هدم جزئي". وتعتبر الحرب بالنسبة للعائلات المدمرة بيوتهم لم تنتهِ، فهي مستمرة، تقهرهم وتلطم الأمل في إعمار منازلهم، وتبقى الدموع سيدة الموقف، كلما تذكروا بيوتهم الدافئة في غياب مخطط جاد وسريع لإعادتهم للحياة الطبيعية، إذ لم يحصلوا إلا على مبالغ صغيرة مكنتهم من إيجار مؤقت وتدبير عاجل.