العرب اليوم
حذر اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي والكبد وجراحة البواسير الدكتور عبد الفتاح لحلو، من مغبة الاستهانة بدم البراز، الذي يظهر عند بعض الأشخاص من وقت لآخر، مشيرًا إلى أن وجود نقط دم في البراز، لا يعني بالضرورة الإصابة بمرض البواسير، بل بسرطان القولون، الذي يظهر في صمت، ولا يكتشف في مراحله المبكرة إذا أغفل صاحبه الاستشارة الطبية والمعالجة الضرورية. في الحوار التالي، يطلعنا الدكتور عبد الفتاح لحلو، على أعراض مرض سرطان القولون، الذي يعد من أكثر السرطانات المسببة للموت في العالم، كما يرشدنا إلى طرق الوقاية منه. ما هو مرض سرطان القولون من المنظور الطبي؟ قبل الحديث عن هذا الموضوع، يجب أولاً التفريق بين الورم الحميد" tumeur bénigne" والورم الخبيث "Tumeur maligne"، إذ سنتطرق فقط للنوع الأخير المسبب لسرطان القولون "cancer du colon"، وهو سرطان الأمعاء الغليظة الذي يدعى أيضًا السرطان القولوني المستقيمي، ويتمركز بين المعي الرقيق ومكان الزائدة الدودية، وهو عبارة عن ورم خبيث ينتشر بعشوائية سريعة في القولون ثم في الجهاز الهضمي ككل. ما هو إذن تعريف الورم؟ الورم تكاثر عشوائي وغير مضبوط للخلايا، بحيث تفقد الخلية قدرتها على الموت فتنقسم في جميع الاتجاهات، دون وجود ما يقيد تكاثرها. لكن هذا الورم الناشئ لا يكون بالضرورة خبيثًا، إذ يلزمه بعض التغيير في بنية الخلية حتى يتحول إلى ورم خبيث، ويكون في بدايته متواضعًا في مكانه، ليبدأ في الانتشار والانتقال إلى مناطق بعيدة بمرور الوقت، معطيًا الخلايا الورمية التي تفيد وجود تقدم في مرحلة الورم، وبالتالي صعوبة وتعقيد في العلاج. السرطان إذًا لا يبدأ دفعة واحدة، إنما هناك مراحل عدة يمر بها تحتاج إلى زمن قد يمتد لسنوات، كما أنه داء يصيب مورثات الخلية فيؤدي إلى تكاثرها، وهذا لا يعني أنه داء وراثي بالضرورة. كيف يتكون الورم الخبيث في قولون الإنسان؟ معظم حالات سرطان القولون تبدأ من "بوليبات" ورمية غدية، لكن نسبة صغيرة فقط، من جميع الأنواع المختلفة من "البوليبات" التي تنشأ في القولون، هي التي تصبح سرطانية فيما بعد، والتغير من "البوليب" الورمي الغدي إلى السرطان القولوني، يحدث ببطء شديد على مدى يتراوح من خمس إلى عشر سنوات بسبب سلسلة من التغيرات الجينية. لكن، إذا جرى استئصال البوليب قبل أن يصبح خبيثًا، فإنه بالطبع لن يتحول إلى سرطان قولوني. وكيف يمكن اكتشاف هذا "البوليب" قبل أن يصبح خبيثًا؟ يجري اكتشاف "البوليب" في قولون الإنسان باستعمال الطبيب المختص للمنظار الداخلي، الذي يكشف عن وجوده وإزالته إن وجد، ثم تحليله بغرض التأكد ما إذا كان خبيثًا أو حميدًا بغرض الوقاية التامة. ما هي أعراض الإصابة بسرطان القولون؟ سرطان القولون يبدأ من دون أي أعراض على الإطلاق، إلا أنه مع مرور الوقت يظهر عدد من الأعراض التي يمكن اعتبارها إشارات تحذيرية مثل، وجود دم في البراز يكون لونه أحمرًا قانيًا، أو أسود غامقًا، وآلام ناتجة عن تقلصات وتشنجات في المنطقة السفلية من البطن، وكذلك فقدان الوزن من دون اتباع حمية غذائية، بالإضافة إلى شعور بتعب وإجهاد مستمر، وهذه أعراض ظاهرة يمكن من خلالها تشخيص المرض، أما إذا كانت الأعراض خفية فيلجأ إلى تحليل الدم الميكروسكوبي في براز الإنسان المسمى بـ "Hemoccult"، ويقوم به الشخص بعد الأربعين كوسيلة وقائية واحترازية من هذا المرض، ويعتمد عليها في البلدان المتقدمة كثيرًا. عند اكتشاف دم في البراز ينسب غالب الناس ذلك للبواسير، وهنا يقع خلط بين المرضين. كيف يمكن التفريق بين الحالتين؟ تمامًا، وجود الدم في البراز ليس دائمًا مؤشرًا على وجود البواسير، بل يمكن أن يكون مؤشرًا قويًا وصريحًا على وجود خطر يهدد القولون بالسرطان، لذا من الضروري استشارة الطبيب فور الإصابة بهذه الأعراض، لأنه الوحيد القادر على تحديد ما إذا كانت هذه الأعراض ناتجة عن الإصابة بسرطان القولون أم لا، وحتى في حال عدم الشكوى من هذه الأعراض، فإن الفحص المبكر يعتبر ضروريًا لاكتشاف المراحل المبكرة من سرطان القولون، التي لا يصاحبها عادة أي أعراض إطلاقًا. من هم الأشخاص المعرضون أكثر للإصابة بهذا المرض؟ لا يمكن تحديد أشخاص بعينهم، فالجميع معرض إلى خطر الإصابة بسرطان القولون، إذ يصيب الرجال والنساء على حد سواء، ويعد ثالث سبب رئيسي لوفيات السرطان عالميًا. غير أن احتمال الإصابة تتوقف على عوامل عدة، منها وجود إصابة شخصية سابقة بهذا النوع من السرطان أو أورام في الغدد، أو عامل وراثي كإصابة أحد الأقارب مثل الأبوين، أو الأشقاء بسرطان القولون أو سرطانات أخرى مثل سرطان الثدي، المبيض، الرحم، أو أعضاء أخرى. ذكرت في السابق أن هناك أورامًا حميدة تستقر في القولون، لكن هل في إمكانها أن تتحول في المستقبل لأورام سرطانية؟ هناك أورام سطحية حميدة وغير سرطانية تشبه حبة العنب، تتكون في الجدار الداخلي للقولون، وتنمو عادة ببطء على مدى ثلاث إلى عشر سنوات، إلا أن غالب الناس لا تصاب بهذه الأورام حتى ما بعد سن الخمسين، ومن الممكن تحول بعض هذه الأورام السطحية الحميدة إلى سرطان، كما ثبت أن استئصال الأورام السطحية فعال في منع الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. ما هي إذن أساليب الوقاية التي يمكن اعتمادها في هذه الحالة؟ أول وأهم وسيلة وقائية في هذه الحالة هي الفحص المبكر، خاصة عند بلوغ الإنسان سن الأربعين وما فوق، وذلك باعتماد الطبيب المختص على فحص التنظير بواسطة منظار خاص، يوضح وجود ورم تؤخذ منه عينة صغيرة جدًا، ترسل إلى مختبر التحليلات الطبية لاكتشاف طبيعتها وما إذا كانت سرطانية. إذن فالتحضير المناسب لهذه الفحوصات المبكرة، يعد أهم ما يمكن القيام به للمساعدة في الحصول على أدق النتائج الممكنة. إذا جرى تشخيص الإصابة بسرطان القولون، ما هو التدخل الذي يقوم به الطبيب المختص؟ تعد الجراحة الخطوة الرئيسية لإزالة الأورام السرطانية وأي أنسجة خبيثة أخرى، بالإضافة إلى اعتماد الطبيب المختص على عدة فحوصات مثل Echographie وScanner اللذين يبينان ما إذا كان الورم قد انتشر في أماكن أخرى متفرقة من الجهاز الهضمي، مثل الكبد أو الرئتين، ونوع السرطان يحدد لنا نوعية العلاج الكيميائي الذي يجب إتباعه بعد الخضوع للعملية لقتل جميع الخلايا الدقيقة التي لا يمكن إزالتها بالجراحة. هل يسبب العلاج الكيميائي المضاعفات المعروفة نفسها مثل تساقط الشعر؟ نعم له المضاعفات نفسها كتساقط الشعر، ونقص في الكريات البيضاء والحمراء، وحدوث قيء متكرر وتعب مستمر، لكن مع التطور العلمي بدأت تظهر بعض العلاجات التي تقلل من حدة المضاعفات السمومية على جسم المريض. كم تدوم تقريبًا مدة العلاج الكيميائي؟ لا يمكن معرفة المدة تحديدًا، لأنها مقيدة بحالة المريض والمرحلة التي وصل فيها المرض لديه، وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة وجود لجنة طبية تضم طبيبًا اختصاصيًا في الجهاز الهضمي، وطبيبًا جراحًا، وطبيبًا اختصاصيًا في الأشعة، وآخر في العلاج الكيميائي، للتشاور في ما بينهم بشأن حالة المريض، والخروج بالحلول الصائبة والموفقة.