الرياض ـ سعيد الغامدي
جددت المملكة العربية السعودية حرصها الدائم على المشاركة في كل جهد ومسعى من شأنه أن يسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين ويرتقي بأداء منظمة الأمم المتحدة ويقربها أكثر نحو الأهداف والغايات النبيلة التي نص عليها ميثاقها.
وأكدت المملكة أن "المجتمع الدولي أخفق في معالجة الأخطار التي أخذت أشكالا وقوالب جديدة مثل خطر الإرهاب الدولي واتخذت محاربة هذه الظاهرة في كثير من الأحيان شكل حلول مرحلية وإقليمية ولم يتعامل مع كون الإرهاب ظاهرة عالمية إذا اختفت في مكان ظهرت في مكان آخر"، موضحة أن "الإرهاب مسألة فكرية فضلا عن كونها قضية أمنية".
جاء ذلك في كلمة المملكة التي ألقاها المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله بن يحيى المعلمي، الإثنين، أمام مجلس الأمن حول "صون السلام والأمن الدوليين".
وقال: إن ما يبعث على الألم أن تأتي مناقشاتنا بشأن هذا الموضوع في وقت يغيب فيه الأمن والسلم عن كثير من بقاع الأرض في الشرق الأوسط وفي أفريقيا وأوروبا وآسيا وغيرها من الأماكن. لئن كان النظام العالمي الجديد الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمتمثل في الأمم المتحدة وميثاقها قد أفلح في تفادي حرب عالمية ثالثة، فإن مجموع الحروب التي خاضها العالم في أماكن متفرقة عبر السبعين عاما الماضية يفوق في ضراوته وآثاره وخسائره ما كان يمكن أن ينتج عن حرب عالمية من دمار، مما يجعلنا نتساءل عما إذا كان هذا النظام والميثاق قد نجح فعلا في صيانة الأمن والسلم الدوليين.
وأضاف المعلمي أنه "إذا أمعنا النظر في منطقة الشرق الأوسط فإننا نجد أن العقود السبعة الماضية قد شهدت ما لا يقل عن خمس عشرة حربا، كان معظمها مرتبطا بشكل أو بآخر بالقضية الفلسطينية، وما زالت بعض هذه الحروب تخيم بآثارها على المنطقة حتى يومنا هذا".
وقال المعلمي: إن الدارس لواقع المنطقة وما شهدته من حروب لا بد من أن يستخلص النتائج، والمتمثلة في أن المجتمع الدولي، متمثلا في مجلس الأمن، أخفق في منع الاحتلال وفي إزالته، ولذلك، ما زلنا نشهد واقع حرمان الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وفقا لقرارات الشرعية الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة وعجزت عن فرضها وتطبيقها، الأمر الذي أدى إلى نشوب الكثير من النزاعات المسلحة في المنطقة.
وثانيا: فإن المجتمع الدولي، قد أخفق في حماية الشعوب من المجازر التي ترتكب بحقها من قبل سلطات فقدت شرعيتها، ولقد كانت رواندا مثالا فاضحا على العجز والشلل في مواجهة أحداث مروعة كانت وما زالت تشكل عبئا على الضمير العالمي، وكذلك الحال ما نشاهده اليوم في سورية، حيث تستمر عمليات القتل والترويع ضد أبناء الشعب السوري وباستخدام الطائرات والصواريخ والغازات السامة والحصار والإبادة والتهجير دون أن ينجح المجتمع الدولي في تحقيق اختراق يذكر على صعيد المساعدات الإنسانية فضلا عن التسوية السياسية المنصفة.
وبين أن المجتمع الدولي قد أخفق في معالجة الأخطار التي أخذت أشكالا وقوالب جديدة مثل خطر الإرهاب الدولي، وأن محاربة هذه الظاهرة قد اتخذت في كثير من الأحيان شكل حلول مرحلية وإقليمية لم تتعامل مع كون الإرهاب ظاهرة عالمية إذا اختفت في مكان ظهرت في مكان آخر، وأن الإرهاب مسألة فكرية، فضلا عن كونها قضية أمنية.
وأضاف المعلمي أن "المجتمع لم يتمكن حتى الآن من وضع الأسس والقواعد الكفيلة بمساعدة البلدان على تخطي مرحلة ما بعد الحروب والاضطرابات، فوجدنا بلدانا مثل ليبيريا "وسيراليون تعاني من التأرجح بين حالات الحرب والسلم، وبلدانا مثل أفغانستان وليبيا تسقط في أتون الصراع الداخلي بعد انتهاء مراحل سابقة من الصراع.
وأشار إلى أن "التكلفة الباهظة التي ترتبت على هذه الأوضاع، سواء في الأرواح أو في الممتلكات أو الفرص الضائعة وأزمات الجوع والأمراض والأجيال الضائعة المترتبة عليها شكلت وما زالت تشكل أعباء هائلة واستنزفت موارد طائلة لو أنها وجهت نحو التنمية والبناء والقضاء على الفقر والجهل والمرض لكان عالمنا اليوم أكثر أمنا واستقرارا "ورخاء.
وأكد اللسفير السعودي أن "بلاده من منطلق كونها دولة مؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة ومن أوائل الموقعين على ميثاقها وتفخر بالتزامها به، قد حرصت دوما على المشاركة في كل جهد ومسعى من شأنه أن يسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويرتقي بأداء هذه الهيئة الدولية ويقربها أكثر نحو الأهداف والغايات النبيلة التي نص عليها ميثاقها ونتطلع جميعا لبلوغها وإدراكها".
وقال: إننا ما زلنا عند اعتقادنا الراسخ أن قدرة الأمم المتحدة على القيام بمهامها ترتبط أساسا بمدى توافر الإرادة السياسية لأعضائها لوضع تلك المبادئ موضع التنفيذ الفعلي، وما يستدعيه الأمر من تحديث وتطوير للأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة لجعلها أكثر تمثيلا وملاءمة للمستجدات والمتغيرات التي شهدتها الساحة الدولية على امتداد الحقبة المنصرمة من تاريخها.
وقال السفير المعلمي: قبل قليل استمعنا إلى مندوب إسرائيل وهو يتعامل مع هذا الموضوع الحيوي بسخرية وصلف واستهزاء، ورأينا كيف منح لنفسه الحق في توزيع المناصب والجوائز يمينا ويسارا، ونسي أو تناسى مقدار السخرية المتناهية في تولي إسرائيل منصبا في لجنة إزالة الاحتلال، وإسرائيل هي المحتل الأول بلا منازع، ونسي أن يستكمل توزيع جوائز الأوسكار المزعومة التي راح يوزعها وكان عليه أن يمنح إسرائيل جائزة الأوسكار في أفلام الرعب والقتل التي مارستها في غزة وقانا ودير ياسين وصابرا وشاتيلا وبحر البقر وغيرها، وجائزة الأفلام الوثائقية المزورة عندما تدعي لنفسها حقوقا مزعومة في القدس الشريف والخليل وأراضي فلسطين العربية، وجائزة أسوأ ممثل عندما يخرج مندوبها ليتحدث عن حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة وبلاده تخترق كل هذه المفاهيم يوما بعد آخر.
وقال: علينا قبل أن نربت على أكتاف بعضنا البعض، ونتبادل التهاني بالذكرى السبعين لهذه المنظمة الدولية، أن نسترجع جوانب النقص ونمارس قدرا من التواضع والنقد الذاتي الموضوعي، وأن نعترف بأن هذا النظام بشكله الحالي يظل قاصرا عن تحقيق التطلعات والآمال ومعالجة القضايا والمشكلات، وأن من أهم ما نحتاج إليه اليوم هو إعادة النظر في بعض المفاهيم والمؤسسات، وأن تنطلق نقطة البداية من إدراك أن ما كان صالحا لعالم منتصف القرن العشرين لم يعد ملائما لهذا القرن، وأن منظومة الأمم المتحدة قد أصبحت في حاجة إلى إصلاح شامل يجدد شبابها ويعيد الحيوية إلى مؤسساتها والفاعلية إلى أجهزتها، وأن من المنطقي أن يبدأ مجلسكم الموقر بالنظر إلى كيفية تطوير أعمال هذا المجلس والرفع من كفاءته ومصداقيته وشرعية تمثيله، إن خرجتم بمثل هذه النتائج، فإن لكم أن تفتخروا بما حققه هذا اللقاء تحت رئاستكم، وإن مرت هذه المناسبة كغيرها من المناسبات، فإننا سوف نجد أنفسنا في حلقة مفرغة من النقاش والحوار دون أن تكون لدينا القدرة على الإقدام على الحل.