تعد التشوهات الخلقية فى الأطراف من أصعب التحديات التى تواجه جرّاح عظام الأطفال، ويأتى على الرأس منها تشوه القدم، المعروف بالقدم القفداء (Club foot)، أو القدم القفداء الروحاء (talipes equino-varus). تبلغ نسبة حدوث هذا التشوه واحداً من كل ألف مولود، وهى أعلى نسبة معروفة لمرض، وتحدث فى الذكور أكثر من الإناث، كما يصيب القدمين معاً فى نسبة عالية من المواليد. يرتكز العلاج الناجع على الإسراع به فور تشخيص التشوه، الذى لا يخفى على ناظرى كل من يلقى نظرة عابرة على قدمى المولود، بعكس أمراض خلقية أخرى كخلع مفصل الحوض، تظل خافية على الطبيب والأهل حتى تعلن عن نفسها متأخراً. لذا لا يوجد عذر لتأخير علاج القدم القفداء وضرورة البدء به فور ولادة الجنين، لدرجة أننا توارثنا فى كلية الطب قولاً مأثوراً مبالغاً فيه، قُصد به تقريب هذا المفهوم لنا، مفاده أنه إذا كان الجنين مقلوباً عند الولادة (Breech presentation)، فبرزت قدماه أولاً ورأى فيهما الطبيب اعوجاج القدم القفداء، فعليه أن يبدأ استعدالهما فوراً ولا ينتظر إتمام ولادة الجنين حتى لا يضيع وقتاً ثميناً. القدم القفداء أصبح علاج هذا التشوه الخلقى موحداً فى العالم كله، وبنسبة نجاح تفوق التسعين بالمائة، ويرجع الفضل فى ذلك إلى جراح عظام إيطالى هاجر فى الأربعينات إلى «أيوا» بالولايات المتحدة. ظل البروفيسور بونسيتى (Ponseti) يعالج هذا الداء حتى خرج على العالم بنتائج مبهرة، مؤيدة بمتابعة طويلة المدى لمرضاه بلغت خمسين عاماً، فى وقت كانت الجراحات لا تؤدى لنفس النتائج المُرضية، وذات مضاعفات عديدة. فانتهج العالم كله اليوم طريقة بونسيتى فى العلاج، ولم يعرف طب عظام الأطفال (أو غيره) إجماعاً على طريقة علاج واحدة، كما أجمع على طريقة بونسيتى، التى عرفت باسمه.تتلخص الطريقة فى قيام الجراح (أو الممرضين والممرضات المدربين) باستعدال القدم يدوياً برفق وتدريجياً، والرضيع بين يدى أمه، ثم يضع الجراح جبساً للقدم يصل حتى أعلى الفخذ فى الوضع الجديد. ويعاود الجراح عملية الاستعدال اليدوى والجبس فى الأسبوع التالى وفق تكتيك بونسيتى للحصول على المزيد من الاستعدال، وهكذا دواليك، حتى يتم استعدال مقدم القدم تماماً، وغالباً ما يحتاج هذا لعمل ما بين أربع إلى سبع جلسات استعدال وجبس، حسب شدة كل حالة واستجابة الأنسجة. عندئذ يقوم الجراح بعمل قطع كامل لوتر أخيليس، وهو المكون الوحيد الذى لا يستجيب للاستعدال التدريجى لطبيعة تكوينه. وهذا القطع الجراحى يجرى دون شق الجلد (per cutaneous)، ودون تخدير فى حجرة نظيفة بالعيادة الخارجية. عندئذ يرتد كعب القدم إلى مكانه الطبيعى، فيقوم الجراح بعمل الجبس الأخير، الذى يستمر لمدة ثلاثة أسابيع، يلتئم خلالها وتر أخيليس تماماً، فيرفع بعدها الجراح الجبس، وتكون القدم قد استعدلت تماماً. وإذا كان استعدال القدم الآنف ذكره هو المجهود الأصغر، فإن الاحتفاظ بالقدم خلال مراحل النمو مستعدلة هو المجهود الأكبر، ويقع على عاتق الأم والأب. وذلك يستلزم وضع القدمين فى جبيرة خاصة تعرف باسم مخترعها (دينيس براون)، يلبسها الوليد ٢٣ ساعة يومياً حتى يبلغ من العمر ستة أشهر، ثم يلبسها فقط وقت النوم ليلاً ونهاراً بعد ذلك حتى يبلغ من العمر ثلاثة أعوام. وفيما عدا ذلك يروح الطفل ويجىء سحابة نهاره مرتدياً أحذية عادية. المتابعة الدورية والمواظبة على الجبيرة، وعمل تمرينات منزلية لشد القدم يومياً هو أساس نجاح العلاج. وهناك حوالى ١٥٪ من الأطفال قد يحتاجون لعملية بسيطة جداً إذا ما لوحظ التواء للقدم أثناء المشى، وهى نقل الوتر القابض للكاحل من مكانه فى داخل القدم إلى مكان آخر فى ظهر القدم، فيتحقق توازن العضلات، وغالباً ما تجرى هذه العملية بعد سن سنتين ونصف السنة إذا دعت الحاجة لها.