قصر المؤتمرات موكادور أكدال في مراكش

انطلقت، صباح اليوم الخميس، في قصر المؤتمرات موكادور أكدال في مراكش، أعمال المنتدى العربي عن "المرأة والإعلام في ضوء المتغيرات الراهنة"، الذي تنظمه وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية المغربية بشراكة مع منظمة "المرأة العربية"، ويأتي ذلك في غمْرَة التطورات والمتغيّرات التي تعرفها المنطقة العربية، وشمال أفريقيا، بعد ثورات "الربيع الديمقراطي"، وموازاة مع المطالب الداعية إلى إقرار المساواة بين الجنسين، ويهدف المؤتمر، الذي يمتدّ على مدى يومين، وتتخلله خمس ورشات، إلى البحث عن سُبُل تعزيز أسُسِ إعلامٍ عربيّ منصف للمرأة، ومقدِّر لإمكاناتها. وأكّد وزير الدولة عبد الله بها، خلال الكلمة التي ألقاها في افتتاح أعمال الجلسة الافتتاحية للمنتدى، أنّ السنوات الأخيرة شهدت بروز عدد من المبادرات لتعزيز حضور المرأة في مجال الإعلام، لكن الواقع ما زال يثبت أن حضور المرأة في الإعلام في المنطقة العربية لم يَرْقَ بعدُ إلى مستوى التحولات التي تشهدها المجتمعات العربية، في مجالات العمل والتعليم والمشاركة السياسية وغيرها، من المجالات التي تُعتبر المرأة شريكًا فيها للرجل. وأوضح وزير الدولة عبد الله بها أن هذا الوضع يتطلب بلورة سياسة جديدة، يتوجّب على المسؤولين في المنطقة ، سواء في ذلك السياسيون، أو القائميون على المؤسسات الإعلامية، من أجل تطوير السياسيات القائمة في هذا المجال، وفتْح الآفاق لمقترحات أخرى، تضْمنُ المساواة بين المرأة والرجل، في الحضور الإعلامي، مبينًا أنّ بلدان المنطقة تجتاز تحولاتٍ أفرزت حاجاتٍ مُلحّةً للنهوض بدور المرأة وقضاياها بصفة خاصة، كما أنّ الممارسة الإعلامية تتطلب إصلاحات للرفع من مستوى الوعي العام للمجتمعات.
وشدّد عبد الله بها على أنّ "هناك صعوبات وتحدّيات تحتاج إلى مجهودات إضافية ومستمرّة"، وإنْ عبّر عن "الاعتزاز" بما قطعه المغرب من أشواط في مجال النهوض بحقوق المرأة، مؤكّدًا على أنّ المرأة توجد في صلب الإصلاحات السياسة العميقة في المغرب، وبعد التذكير بعدد من الإجراءات المُتّخذة في هذا الشأن، من قبيل تعزيز الترسانة القانونية بمكتسبات جديدة، وإقرار مدونة الأسرة، ومبادرة مراجعة قانون الجنسية، وإصلاح القانون الجنائي، وتعديلات مدونة الشغل، وتعديل ميثاق الوطني لإصلاح صورة المرأة في الإعلام.
وأضاف بها أنّه، على المستوى الوطني، أو على صعيد دول المنطقة، ما زالت هناك حاجة إلى مزيد من الجهد، في مجال النهوض بأوضاع المرأة، خصوصًا على مستوى حضورها في مجال الإعلام، "من أجل تمكينها من حق المواطنة الكاملة، وإتاحة الفرصة لها لتسهم في تنمية المجتمع"، وزاد قائلاً إنّ صورة المرأة في الإعلام لا تعكس حقيقة واقعها في المجتمع، "وهذا لا يخدم أوضاعها الاعتبارية وقيمتها ورمزيتها".
من جهتها، أعلنت وزير التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، بسيمة الحقاوي، أنّه، و"على الرغم من المسار الذي قطعته المرأة العربية، وإن بتفاوُتٍ، من بلد إلى آخر، وما وصلتْ إليه من مكانة مرموقة في المجتمع، من خلال تبوّئها لمناصبَ عليا، على مستوى مواقع القرار، إلا أنّها، وبالموازاة مع ذلك، يظل موقعها في الإعلام، الذي يجسّد صورة معبّرة عن موقعها في المجتمع، غير سائرٍ على النحو المطلوب، بما يتلاءم ووضعيتها الاعتبارية وقيمتها ورمزيتها".
واعتبرت الحقاوي في مداخلتها خلال أعمال الجلسة الافتتاحية للمنتدى العربي عن المرأة والإعلام، أنّ الصورة الإعلامية بشأن المرأة العربية "نمطية تعيد إنتاج الصور والتمثلات العامة السائدة ذاتها، من دون أن تواكب التقدم والإنجازات التي حققتها على أرض الواقع"، عازية سبب ذلك إلى متغيّرات عدّة، منها تحرير المشهد السمعي البصري، وعدم خضوعه في غالب الأحوال لمعايير ضابطة ترتبط بنظم رصْدية وضبطية ومعيارية توجه التناول الإعلامي.
وفي السياق ذاته، الذي ذهب إليه وزير الدولة عبد الله بها بقوله "إنّ هناك حاجة ماسّة إلى بذل مزيد من الجهود، للرقيّ بمكانة المرأة في المجال الإعلامي"، أكَّدت بسيمة الحقاوي إنّ الجهود التي بُذلت، على المستوى العربي، للنهوض بقضايا المرأة في الإعلام، ورغم زخمها، "إلا أننا لا زلنا نحتاج إلى تنظيم أرشدَ وأكثر معيارية لوسائطنا الإعلامية في الأقطار العربية، وتوحيدٍ أكبر في آليات التشبيك وتعزيز قدرات التكتلات والشبكات العاملة في الترافع المستمر لتحسين مكانة المرأة العربية في الإعلام".
وعلى الصعيد الوطني، ذكّرت بسيمة الحقاوي بعدد من الإجراءات المُتّخذة، في مجال النهوض بقضايا المرأة، في بُعدها الشمولي، وفي ما له علاقة بتحسين صورتها في الإعلام، ومن ذلك إعداد الميثاق الوطني لتحسين صورة المرأة المغربية في الإعلام، سنة 2005؛ هذا الميثاق، حسب الحقاوي، أعطى دَفعة لمجموعة من المبادرات المؤسساتية والمجتمعية التي تواثرت فيما بعد، حيث عَرَفت الساحة الإعلامية الوطنية إحداث العديد من الهيئات والشبكات وتطوير وإطلاق العديد من المبادرات المهنية في سبيل العمل من أجل تعزيز الحضور الإيجابي للمرأة في الإعلام.
وشدّدت وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية على أنه "وعلى الرغم من كل هذه الجهود المشتركة، إلا أن التحديات الوطنية تبقى مطروحة على مستوى سنّ القوانين والإطارات المعيارية والناظمة لكيفية احترام مبادئ الإنصاف والمساواة بين الجنسين في الإعلام، وكذا تحدّي تعزيز قدرات الرصد واليقظة، حيث نشتغل اليوم على إخراج المرصد الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام ليلعب أدوار اليقظة والمرافعة المنوطة به"، داعية إلى مساهمة الجميع في "رفع تحدّي الرقي بقدرات النساء الإعلاميات المهنيات، وتحسين ظروف عملهن ووصولهن لمراكز اتخاذ القرارات الإعلامية وتعزيز مبادراتهن".
إلى ذلك، أعلنت المديرة العامة لمنظمة "المرأة العربية"، الشيخة سيف الشامي، في كلمتها أثناء الجلسة الافتتاحية للمنتدى، أنّ الإعلام، بمختلف أجناسه، يؤدي دورًا مهمًا في بناء المجتمع المعاصر، وأنّ التركيز عليه كمدخل للتغيير والإصلاح له أهمية كبرى؛ وأوضحت الشيخة سيف السامي، أنّ "الدراسات المنجزة عن صورة المرأة في الإعلام العربي أثبتت أنّ هذا الحضور ما زال دون الطموح".
وكانت جُملة تنميط الصورة السائدة في المجتمعات العربية عن المرأة في وسائل الإعلام حاضرة بقوّة خلال المداخلات التي شهدتها الجلسة الافتتاحية، والتي حضرها، إضافة إلى وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، كل من وزير الدولة عبد الله بها، ووزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، ووزيرة البيئة؛ في هذا الصدد قالت الشيخة سيف سامي، "إنّ الإعلام يقف في قفص الاتهام كمسؤول عن ترويج صورة سلبيّة عن المرأة العربيّة".
وتتخلّل المنتدى العربي عن "المرأة والإعلام في ضوء المتغيّرات الراهنة"، خمس ورشات، تتمحور بشأن تقييم السياسات والإستراتيجيات؛ الإطار القانوني الإقليمي والعربي؛ تحليل الخطاب الإعلامي؛ آليات تعزيز قدرات الوصول إلى نُظم الرّصد وآفاق إحداث مؤسسة إعلامية تهتمّ بقضايا المرأة العربي.
وسيُختتم المنتدى بعرض التقرير النهائي، على ضوء الخُلاصات والتوصيّات التي ستتمخّض عنها الورشات الخَمْسُ.