الرياض ـ عبدالعزيز الدوسري
قطعت سعوديات شوطاً بعيدًا في الإعداد لحملاتهن الانتخابية، والمنافسة على مقاعد المجالس البلدية التي تربو إلى 800 مقعد في 290 مجلسًا. وبدأت السعوديات اللاتي يعتزمن خوض السباق الانتخابي استعداداتهن مبكرًا، فيما ستجرى الانتخابات بعد نحو عام، وهي الثالثة لانتخاب نصف أعضاء المجالس، والأولى التي تشارك فيها المرأة السعودية، ناخبة ومرشحة.
ولا تقتصر الاستعدادات النسائية السعودية على إعداد الحملات الانتخابية، بل تطاول أبجديات هذه الورشة، باعتبار أنهن يخضنها للمرة الأولى، بخلاف منافسيهن من الرجال. وإن كانت المرأة السعودية حاضرة في انتخابات شهدتها البلاد في غضون الأعوام القليلة الماضية، لكنها كانت انتخابات خاصة في شرائح مهنية محدودة، مثل مجالس الغرف التجارية، وجمعيات مهنية وعلمية وخيرية.
وهي المرة الأولى التي تخوض فيه المرأة السعودية انتخابات عامة، وعلى رغم التفاؤل الذي يطغى على أوساط النخب النسائية، والمهتمات بهذه المشاركة التي جاءت بعد نضال طويل، إلا أن البعض لا يبدي تفاؤلاً كبيرًا بنيل السعوديات مقاعد في المجالس البلدية - ذات الصلاحية المحدودة جداً- من طريق الانتخاب، مستشهدين بالتجارب النسائية غير الناجحة في انتخابات مجالس الغرف، وكذلك فشل تجارب نظيراتهن في الدول الخليجية الأخرى في انتخابات المجالس البلدية والبرلمانية، وإن كن يتوقعن أن يحصلن على مقاعد المجالس من طريق التعيين . فيما يشبه الكوتا بالتعيين، وإن كان طموح بعضهن تشريع كوتا نسائية في الانتخابات، لضمان مشاركتهن بالتعيين والانتخاب.
وأشارت إلى حراك منسقة المبادرة فوزية الهاني ذات الأثر الكبير، إذ اجتمعت مع الناشطة نسيمة السادة "لوضع تفاصيل البرنامج، وبدأنا بالاتصال مع المتجاوبات. فيما نبحث حالياً عمن يترشحن لتمثيل المرأة في شكل مشرف، من خلال تركيز المبادرة على البرنامج الانتخابي المبني على خبراتهن الخاصة وحاجة المجتمع، وذلك ينطبق أيضاً على المبادرات السبع الأوائل اللواتي قدمّن ما يتفوق على أي برنامج رجالي. واستوعبت الحملة التي انطلقت في عددٍ صغير أكثر من 200 متطوعة".
وتميل أوساط نسائية سعودية إلى اعتبار خوض تجربة انتخابات المجالس البلدية وسيلة لتنمية الوعي الانتخابي لدى النساء. وشهدت البلاد خلال الأشهر الماضية إقامة دورات مكثفة حول الانتخابات وتنظيم الحملات، شاركت فيها حوالي 400 سيدة، وقدمت الدورات خبيرات في الشأن الانتخابي، غالبيتهن من خارج المملكة، وتحديداً من بلدان تملك خبرة في الانتخابات، بينها لبنان.
وتبع القرار الملكي ظهور جهات عليا دأبت على دعم المبادرة الشجاعة ، التي كللت بزيادة عدد الأعضاء، وتفرّعها في مناطق المملكة، وجاء دعم مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية للمبادرة، من أجل تمكين المرأة في التنمية والتطوير، من خلال برنامج شريكة لتدريب العناصر النسائية في مختلف المناطق.
وقالت المدير التنفيذي للمشاريع التنموية المحلية في مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية نورة المالكي "إن مشروع شريكة هو أحد أدوات تمكين المرأة من المشاركة بفعالية في انتخابات المجالس البلدية"، مضيفة "اكتسبنا إقبالاً ودعماً من أهم قطاعات المجتمع، ما حفزنا على العمل في شكل أسرع لإنجاز المراحل الأخرى للمشروع، لضمان توفير الإمكانات والظروف التي تكفل أفضل السبل لمشاركة المرأة في المجالس البلدية".
ولأن السعوديين عموماً، والمرأة خصوصاً، حديثو العهد بتجربة الانتخابات، فقد استعانوا بخبرات أجنبية. وأوضحت المالكي"اتفقنا مع معهد عربي لتدريب العناصر النسائية، ضمن نطاق برنامج تمكين القياديات، الذي يحوي برامج لتمكين السعوديات، تحت شعار التزام بلا حدود، إضافة إلى الدور الإعلامي في تنمية المجتمع".
وتصدّرت المبادرة منذ تأسيسها الدكتورة هتون الفاسي، التي راهنت على وعي المرأة السعودية، وإمكاناتها في تحريك المياه الراكدة وخدمة بلدها المعطاء. وأوضحت الفاسي أن "التحديات التي واجهناها أضحت دليلاً على إمكان السعوديات في المشاركة باتخاذ القرار، كجزء لا يتجزأ من المجتمع".
وأشارت الفاسي، وهي عضو مؤسس في المبادرة وتعمل مستشارة فيها، إلى أنه كان للقرار الملكي بمنح المرأة حق الترشّح والانتخاب "بالغ الأثر في دفع طموحاتنا نحو الأمام"، على رغم صعوبة الآليات التي اعترضت الحملة في بدء انطلاقتها "لعدم وضوح آلية التواصل، فيما المجتمع غير قادر على التعاطي مع المتطلبات المدنية، كما أن طريقة فهم النساء لحقوقهن لم تكن واضحة رسمياً، لذلك جرّبنا الطرق المتاحة لإيصال الصوت والمطالبة من خلال مخاطبتنا المجالس البلدية، ووزارة الشؤون القروية، ثم اتجهنا في خطابنا إلى الجهات الحكومية الأعلى من خلال وضع مطالبنا وتوجهنا إلى الصحافة، لتبنّي قضيتنا كونها قضية مجتمعية تحتاج لمشاركة النساء في كل الأحياء".
وأضافت الفاسي "الجهود التي بذلت أساسها إيصال صوت المرأة التي تملك ما تقدمه للمجتمع بثقة ومقدرة، ضمن سياق تطوعي ليس رسمياً، لكنه أسلوب مدنــي معروف على مستوى العالم ضمن تحركات المجتمع المدني، تحت مظلتنا التي لم تعرف الجهات الرسمية كيف تتعامل معها".
وأوضحت الفاسي أنه "منذ انطلاقة الحملة التي تحولت إلى مبادرة تكوّن النضج، وخصوصاً من خلال استخدام وسائل تكنولوجية سهلت التواصل في شكل أكثر فاعلية، والتي من خلالها نوضح مفهوم مشاركة النساء في الانتخابات. وأسهم القرار الملكي الصادر في عام 2010 في إحداث حراك ونقلة نوعية أهم، أصبح من خلالها للمرأة صوت، مستعيدة محاولاتهن لإقناع عضو الحملة المهندسة نادية بخرجي، لترشيح نفسها لانتخابات مجلس هيئة المهندسين السعودية، فقد استغرق إقناعها مدة أسبوعين، وحين قررنا نشر خبر ترشّحها في إحدى الصحف احتجنا إلى 10 أيام".
وحاولت الحملة توعية النساء بأهمية مشاركتهن في المجلس البلدي، وأن يكون للمرأة رأي في الحديقة التي تقع إلى جوار منزلها والشارع الذي تمر عليه والمدرسة. وقالت الفاسي"استخدمنا الوسائل الممكنة لمواجهة التحديات التي إعترضتنا، وللرد على الإدعاءات التي أكدت عدم مقدرة المرأة، وأن المجتمع يرفض ذلك حين أصبحت المرأة هاجسه، وأنها قد تشارك وقد لا تشارك، ومن خلال المراحل والتفاصيل التي خاضتها الحملة فنّدنا قصة مشاركة المرأة.
وفي هذا الصدد، برزت مبادرة "بلدي" النسائية السعودية، التي ظهرت إلى السطح قبل نحو عقد على أيدي سبع سعوديات، للمطالبة بحق المرأة في المشاركة بانتخابات المجالس البلدية. وخاضت المبادرة التي انطلقت تحت شعار "نحن" معارك إعلامية وقانونية، وتوجت جهودها بصدور مرسوم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يثبت حق المرأة في الترشّح والانتخاب، مفككًا الآثار السلبية التي جرت من وراء التشكيك بأحقيتها وإمكاناتها.