القاهرة _ العرب اليوم
منذ اتخاذ قرار تعليق الدراسة في جميع المستويات التعليمية إلى أجل غير مسمى، كإجراء احترازي ضمن الإجراءات التي اتخذتها السلطات لمحاصرة فيروس "كورونا" المستجد، تعيش مربّيات التعليم الأولي بالقطاع العمومي في حيرة بعد انقطاع مورد رزقهن.
وتتقاضى فئات واسعة من المربيات العاملات في قطاع التعليم الأولي العمومي أجورهن من الرسوم التي تفرضها الجمعيات على أولياء التلاميذ، رغم أن الجمعيات تستفيد من دعم مالي من الدولة تصرفه الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لكنهن لا يحصلن عليه كاملا، بل يحصلن على قسط منه.
وما زالت طريقة صرْف أجور المربيات العاملات في التعليم الابتدائي بالقطاع العمومي يلفها كثير من الغموض، ذلك أن الجمعيات تُلزمهن باستخلاص ثمانين إلى مئة درهم من أسرة كل تلميذ، مع استثناءات قليلة، كما هو الحال في الرباط، رغم أن هذه الجمعيات تستفيد من دعم الدولة لأداء أجور المربيات، محدد في 1600 درهم شهريا لكل مربية.
ولا تحصل المربيات على أجرة شهريْ يوليوز وغشت بداعي توقف الدراسة في العطلة الصيفية، "وهذا يؤزّم وضعيتنا أكثر، علما أن المربية يتبعها كثير من المصاريف، لأن المرأة أصبحت تساهم بقسط من مصاريف البيت لمساعدة زوجها"، تقول مربية تعمل في جهة الرباط-سلا-القنيطرة.
وتتخوف المربيات من تفاقم وضعيتهن أكثر في ظل تعليق الدراسة إلى أجل غير مسمى، وتأخّر حصول الجمعيات على الدعم الذي تقدمه الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين؛ إذ لم يتم، إلى حد الآن، صرف الدعم الخاص بالأسدوس الأول من الموسم الدراسي الجاري، الذي كان من المفترض أن يُصرف منذ شهر يناير.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على تعميم التعليم الأوّلي، تنفيذا للرؤية الاستراتيجية 2015-2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تشتغل المربيات في ظروف وصفتها إحداهن، في حديث لهسبريس، بـ"المزرية".
وأضافت المتحدثة أن هناك مربيات لا يتقاضين سوى ما بين 200 و400 درهم كراتب شهري، وهو الحد الأدنى للأجر الذي تطبقه الجمعيات، فيما تتقاضى أغلبهن 1000 درهم، أما "المحظوظات" منهن فلا يتعدى أجرهن الشهري 1500 درهم، وهو الأجر الأقصى المعمول به في هذا القطاع الذي تدبره جمعيات المجتمع المدني في إطار شراكة مع المؤسسات الحكومية المعنية.
تحديد أجور المربيات يخضع لـ"مزاج" رؤساء الجمعيات، "فالجمعيات التي يتحلى رؤساؤها بالضمير يمنحون المربيات ألفا وخمسمئة درهم في الشهر، أما الذين ليس لهم ضمير فيمنحونهن ألف درهم أو مئتي درهم"، تقول مربية لهسبريس، مبرزة أن بعض الجمعيات تفرض على المربيات توفير حاجات التلاميذ، من نسْخ للأوراق وغيرها.
وعلى الرغم من الظروف القاهرة التي يشتغلن فيها، فإن المربيات يتسلحن بالصبر في سبيل كسب قوت يومهن، لكن هذا الصبر تبدّد بعد تعليق الدراسة؛ إذ لم يحصلن على الدعم الذي تصرفه الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كما توقفت مساهمات أولياء أمور التلاميذ، ما يعني عمليا انقطاع دخلهنّ.
وعلقت إحدى المربيات على هذا الوضع قائلة: "تقريبا توقفت حياتنا. لا نملك مالا لمواجهة الظروف الصعبة التي نمر بها حاليا. كل القنوات الإخبارية تتحدث عن كل الشرائح الاجتماعية المتضررة من الوضع الحالي، ولا أحد يتحدث عنا نحن المربيات، كأننا غير موجودات أصلا".
وتوجد المربيات العاملات في قطاع التعليم الابتدائي في وضعية اجتماعية هشة، ذلك أنهن لا يستفدن من الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتربطهن بالجمعيات عقود عمل محددة المدة، ما يجعل إمكانية فسخ هذه العقود واردة في أي لحظة، كما أنهن لا يتمتعن بأي حماية اجتماعية مثل التغطية الصحية والتقاعد، لكن كل هذه الحقوق أصبحت بالنسبة إليهن الآن مسألة ثانوية؛ إذ يفكرن فقط في أجورهن التي لم تُصرف لهن بعد.
وقالت مربية لهسبريس: "ما يحز في نفوسنا هو أننا نرى بعض الجهات تسارع إلى تقديم طلبات الاستفادة من صندوق مواجهة كورونا، مثل أصحاب المدارس الخاصة، في الوقت الذي لا نطالب فيه نحن سوى بالحصول على أجورنا"، مضيفة: "نحن أستاذات، ولا ينبغي تصنيفنا كعاملات في القطاع غير المهيكل".
وعلى الرغم من أن المربيات ينهضن بعمل كبير يشكل إحدى الركائز الأساسية للمنظومة التربوية؛ إذ يُعوّل على التعليم الأولي ليكون رافعة لتجويد هذه المنظومة، فإن المربيات يتساءلن عن مصيرهن، خاصة وأن الحكومة حدّدت الفئات التي سيتم تعويضها جراء فقدان الشغل، إلى حد الآن، في المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فقط، وهن غير منخرطات في هذا الصندوق.
وتعج مجموعات المربيات على منصات التواصل الرقمية بنقاشات حول وضعيتهن، تواكبها مخاوف من مستقبلهن، حيث دفعهن تأخر الحصول على الأجور إلى الاقتراض لمواجهة مصاريف الحياة، "وفي غياب دعم الحكومة، فإنّ المربيات سيصبحن مثل قنبلة موقوتة، وأقل ما يمكن أن يتعرّضن له هو أن يتم طردهنّ من بيوتهن، لأن كثيرا منهن يسكنّ في بيوت مستأجرة"، على حد تعبير إحدى المربيات.
قد يهمك ايضا :
خروج 195 شخصا من الحجر الصحي في الكويت بعد التأكد من خلوهم من فيروس كورونا ليصل العدد الى 324