دمشق - العرب اليوم
“نركز على إنتاج معرفة نسوية متنوعة تقاطعية، وندرك أن تحقيق المساواة بين الجنسين يحدث بشكل تراكمي”.. بهذه الكلمات بدأت الصحافية رولا أسد، المؤسسة الشريكة والمديرة التنفيذية لمؤسسة “شبكة صحافيات سوريات”، حديثها.
ومنذ بداية الحراك الشعبي المناهض لنظام الحكم في سورية 2011، ظهرت منظمات وشبكات نسوية كثيرة، منها “شبكة الصحافيات” ومبادرة “شابات سوريات” و”منظمة النساء الآن من أجل التنمية”، بغية إشراك النساء في المناصب القيادية من ناحية، ومناصرة قضايا النساء اللاجئات، وكشف الانتهاكات الممارسة ضدهن في دول اللجوء، من ناحية ثانية.
وتأسست الشبكة بداية عام 2013، بهدف تطوير قطاع الإعلام السوري من منظور جندري، وعن هذا تقول رولا: “لردم الفجوة من خلال نساء صحافيات عاملات، ولتغيير المحتوى الإعلامي المنتج، وبناء جسر بين قطاع الإعلام والحراك النسوي في سورية”.
وتعمل في الشبكة (14) عضوة في الفريق الإداري في تخطيط وتنفيذ الأنشطة والتدريبات والبرامج التي تركز على تعزيز وتمكين قدرات العاملين والعاملات بالمجال الإعلامي، وتمكين النساء الصحافيات من الوصول إلى شغل الأدوار القيادية في مؤسساتهن. وأخبرت رولا في حديثها بأن الشبكة “تنظم تدريبات نوعية تعمل على رفع حساسية الخطاب الإعلامي للنوع الاجتماعي”.
وبلغ عدد المستفيدات الصحافيات والصحافيين والناشطات الإعلاميات (150)، تم الوصول لهم عبر البرامج والمشاريع منذ التأسيس. وتتلقى المؤسسة الدعم من مؤسسة “كفينا تل كفينا” السويدية، ومنظمة تطوير الإعلام الدولية الدانماركية، بالإضافة إلى مؤسسة صندوق دعم المرأة الأميركية، إلى جانب الرابطة الدولية للنساء من أجل السلام والحرية ومؤسسة الأصفري.
وعززت شراكة مع مؤسسات وجهات سورية إعلامية، منها: موقع “حكاية ما انحكت”، وموقع “صالون سورية”، وإذاعة “آرتا إف إم”، وجريدة “عنب بلدي”، و”راديو روزنة”، ومنظمة “النساء الآن”، وشبكة “نقطة بداية”. كما عقدت شراكات مع جهات إقليمية، منها “الأصوات العالمية”، وهي جزء من تحالف المدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن أجل تفعيل دور الإعلام في رفع الوعي المجتمعي بقضايا النساء والمساواة بين الجنسين، تحرص الشبكة على تحسين صورة النساء في وسائل الإعلام. وعلقت المديرة التنفيذية للشبكة رولا أسد على ذلك، قائلة: “للوصول إلى مجتمع سوري عادل لجميع مواطنيه من نساءٍ ورجال، وتحقيق تغيير اجتماعي إيجابي على صعيد التفكير والسلوك فيما يتعلق بالعدالة والمساواة بين الجنسين”.
وتعمل الشبكة منذ تأسيسها على رفع مستوى الوعي حول السلامة المهنية من خلال توفير تدريبات للصحافيات والصحافيين، بهدف خلق المعرفة في كيفية إدارة وتحليل المخاطر، وأولويات ومعوقات السلامة، وتسليط الضوء على التحديات التي توجه الصحافيات تحديدًا خلال عملهنّ، كونهنّ نساء، وكمدافعات عن حرية التعبير.
ولدى الشبكة برنامج يتعلق ببناء القدرات، ودليل للسلامة. وشرحت لمى راجح، مديرة البرامج في الشبكة، كيفية تقديم تقنيات وآليات عملية للصحافيات والعاملات بالمنظمات “لمواجهة التحرش بمكان العمل، وبناء ثقتهن بأنفسهن في أثناء عملهن الميداني، وهذا يتحقق من خلال تدريبات عملية، وورشات حول أساسيات الدفاع عن النفس”.
وتقدم الشبكة لجهات ومنصات صحافية إعلامية سورية شريكة تدريبات في مجال الأمن الرقمي للصحافيين والصحافيات والنساء في المجال العام، وإشراك منظمات المجتمع المدني النسوي، من خلال توفير تدريبات تزودهنّ بمجموعة أدوات لحماية بياناتهم وخصوصيتهم من الاختراق الإلكتروني، بالشراكة مع برنامج “سلامتك”.
وأطلقت الشبكة دليلًا إرشاديًا، تحت عنوان: “حبر مو ناشف”، في شهر يونيو (حزيران) الماضي، حول القوانين الإعلامية في 5 دول إقليمية، وأوضحت المحامية رهادة عبدوش، معدة الدليل التي تعمل مستشارة قانونية لدى الشبكة، أن “الدليل إرشادي يسلط الضوء على الحساسية للنوع الاجتماعي في قوانين ومواثيق الشرف الإعلامية”، في كل من سورية وتركيا والعراق والأردن ولبنان.
وقالت رهادة: “قدّمنا هذا الدليل بعد خوض تجارب كثيرة في تقديم الاستشارات القانونية للإعلاميين بمختلف الأنواع، مكتوبة أو مرئية أو مسموعة”، وأظهرت الدراسة عدّة نقاط تحتاجها الإعلاميات والإعلاميين لتفادي المحاسبة القانونية، وحماية أنفسهم من الوقوع في مشكلات بسبب جهل القوانين، وأضافت القانونية رهادة: “لمعرفة مشكلات المجتمع عند كتابة القصص في التحقيقات والمواضيع، وطريقة تناولها بشكل يكون أقرب إلى الواقع الحقيقي”.
واستندت الشبكة في كتابة الدليل إلى قوانين الإعلام الحكومية والمستقلة، لأنها هي التي تحكم الإعلاميين بشكل مباشر، وترى المحامية رهادة عبدوش أنّ هذه القوانين في كل الدول المذكورة ترتبط بالقوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية، لافتة إلى أنه لذلك “تتأثّر بها، وتؤثّر بدورها على الإعلاميين في عملهنّ، لإعادة النظر بأهمية أو عدم أهمية وجود قانون للإعلام”.
وتحرص أعضاء الشبكة أن يكون الدليل سهل المتناول بعد نشره على موقعها الرسمي ومواقع منظمات ومراكز صحافية سورية، لوصول الإعلاميين إلى جميع القوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية التي تحكم المجتمع، سواء أفراد أو مؤسسات، والتي تتعلق بحقوق وحريات التعبير، وكذلك عدم التمييز بحسب الجنس.
ومن بين برامج الشبكة “جندر رادار” الذي يهتم برصد المحتوى الإعلامي لعدد من المؤسسات الإعلامية السورية التي ظهرت بعد 2011، وإنتاج دراسات دورية لتحليل الخطاب الجندري، من خلال زيارات ميدانية وحلقات تدريبية، وتقديم استشارات لتطوير التفكير النقدي داخل المؤسسة، وللفريق العامل، إضافة لكتابة ومناقشة توصيات بغية تطوير السياسة التحريرية بطريقة تشاركية.
وعن أهمية البرنامج، وضرورة تفاعل المؤسسات السورية مع أنشطته، تقول مديرة البرنامج رؤى الطويل: “يوفر (جندر رادار) الجودة والمعرفة غير المسبوقة حول قضايا النوع الاجتماعي، وتحليل الخطاب النقدي، كما يساعد على خلق بيئة معنية بالجنسانية، من خلال جعل القضايا اللامرئية مرئية في التغطيات الإعلامية”.
فأولى خطوات البرنامج جعل عدم المساواة بين الجنسين، والتصوير المتحيز سلبًا للنساء والفئات الأكثر تهميشًا في وسائل الإعلام، ظاهرًا. وتابعت رؤى حديثها، لتقول: “ثاني خطوة خلق بيئة عمل تراعي الفوارق بين الجنسين، وتعزيز التفكير النقدي في أثناء ابتكار المحتوى وعمليات الإنتاج والتقييم، من خلال بناء القدرات والمهارات الصحافية المراعية للحساسية الجندرية”.
أما ثالث خطوة تتمحور حول تطوير سياسة تحريرية تراعي الفوارق بين الجنسين كنقطة مرجعية للمؤسسات الإعلامية الشريكة، كما يهدف البرنامج بالتشارك مع المؤسسات الإعلامية إلى تحديد الثغرات والفرص المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، ورصد أي اختلافات في الفرص وظروف العمل، والمشاركة في صناعة القرار، على تعبير رؤى الطويل.
وترى أعضاء شبكة صحافيات وجود تغييب للأصوات والخبرات النسائية عن التغطيات الإعلامية، وأنه باتت الحاجة ماسة لتعدد المصادر الصحافية كأساس مهني، وصولًا إلى تغطيات إعلامية شاملة حساسة للنوع الاجتماعي، الأمر الذي دفع أعضاء الشبكة إلى إطلاق مشروع “منصة قالت”، لتعزيز الأصوات النسائية والنسوية، وخلق قنوات تواصل بينهنّ وبين المؤسسات الإعلامية.
وقالت مديرة المنصة هبة أحمد عن أهمية المشروع: “تأتي أهمية (قالت) من كونها أول منصة إلكترونية سورية تضم حاليًا أكثر من 100 سيرة ذاتية لخبيرة سورية، كمرحلة أولى من مختلف المجالات في السياسة والاقتصاد والعلوم وحقوق الإنسان والصحة والبيئة”.
والمنصة تمنح النساء فرصة أكبر لمشاركة خبراتهنّ، ولكسر الاحتكار الذكوري في تقديم المعلومات والتحليلات عبر وسائل الإعلام. وتابعت هبة كلامها، لتقول: “لتسهيل وتشجيع المزيد من النساء السوريات على تكثيف ظهورهنّ الإعلامي، ولتساهم في الرد على حجة عدم وجود نساء خبيرات كمصادر للمعلومات والتحليلات المعمقة”.
ويكثر الحديث عن غياب إعلاميات في التغطيات الميدانية والظهور في التقارير الإعلامية، وأشارت هبة إلى أن “هذه المهمة من بين أوليات (منصة قالت)، لتتحول إلى مصدر مفتوح لإدراج الخبرات النسائية بشكل أفضل، ولاهتمام الخبيرات بالوجود والتواصل الفعال مع وسائل الإعلام”.
كما تقوم الشبكة بإنتاج محتوى مواضيعي لتقديم أمثلة عن مواد حسّاسة للنوع الاجتماعي من ناحية الطرح والنطاق واللغة، وتقديم توصيات تتعلق بالمساواة بين الجنسين في التمثيل والمشاركة داخل المؤسسة، لدعمها في تحديد الخطوات الضرورية لإحداث التغيير، وتسهيل الوصول لتغطية إعلامية بديلة من قبل جميع الجهات الإعلامية في سورية.
ومنذ عام 2014، بدأت المؤسسة بالعمل مع منظمات المجتمع المدني السورية، والمؤسسات الإعلامية، على إطلاق ثلاث حملات سنوية لرفع الوعي بحقوق الإنسان، وتغيير الأفكار والصورة النمطية عن العدالة والمساواة الجندرية. وذكرت المديرة التنفيذية للشبكة رولا اسد: “حتى اليوم، أطلقتنا 15 حملة خلال الأيام العالمية التالية: يوم المرأة، واليوم العالمي لحرية الصحافة، وحملة 16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء”.
ونشر الموقع الرسمي للشبكة، بالتعاون مع منصات إعلامية سورية، ما يزيد على 60 مقالًا وبحثًا وتحقيقًا غطى القضايا المعتم عليها في الإعلام “مثل قضية المعتقلات والمختطفات في سورية، والتنمر والعنف الإلكتروني ضد النساء والمدافعات عن حقوق الإنسان، والانتهاكات التي تتعرض لها السوريات في بلدان اللجوء”.
إضافة لتنظيم معارض فنية: الأول كان خاصا بالنحت، للفنانة علا حيدر، حيث عكست المنحوتات والقصص المسجلة المرافقة لها بالعربية والإنجليزية والفرنسية تجارب سوريات واجهن العنف في المجال الخاص والعام، وتجربة المعتقل، في لبنان سنة 2017، وفي فرنسا بداية العام الجاري. والمعرض الآخر فوتوغرافي، للفنان مهند دهني، ويركز على التغيرات في الهوية السورية في ظل النزوح واللجوء، وتم تقديم هذا المعرض في كل من ألمانيا وهولندا عام 2018.
ورغم الانتكاسات التي يعايشها السوريون يوميًا في بلد مزقتها نيران الحرب منذ 9 سنواتٍ، ولربما بسبب هذه النكبات برزت كثير من التجارب الصحافية والإعلامية لتقديم صورة مختلفة عن تلك التي اعتادها السوريون في بلد الإعلام الموجّه بامتياز.