الصحفي سليم الحاج إبراهيم

غيّرت حادثة طلاقه حياته وعدلت بوصلة تفكيره، سليم الحاج إبراهيم، صحافي تونسي ترك عائلته ومهنته ووطنه ليجوب العالم بحثا عن ذاته وعن المعنى الحقيقي للسعادة والحرية والحياة.كيف يجب أن أعيش؟ هل أنا الشخص الذي أرسمه في ذهني أم أنا الصورة التي صنعتها العائلة والمجتمع والدين؟ هل أعيش لأجل نفسي أم لأجل الناس؟ أسئلة وجودية عديدة راودت ذهن سليم وأشعلت داخله فكرة السفر، ليخوض مغامرة مشوقة ومميزة مدارها الروح والذات.

رحال دون زاد

يقول سليم في حديث صحافي نقلا عن "سبوتنيك" إن "العائق الأول الذي اعترضني كان المال، لذلك بحثت عن الدول التي يمكن السفر إليها بتأشيرة غير مكلفة، ووقع اختياري أخيرا على تايلاند الزاخرة بالمعابد وبالروحانيات وبالثقافة البوذية الثرية".

500 دولار هي كل ما كان يملكه سليم لدى سفره إلى تايلاند، قبل أن يتخلى عنها لأجل سيدة مسلمة من بورما كانت تحتاجها من أجل إدخال ابنتها للمستشفى، ليجد بذلك سليم نفسه أمام تحدي آخر، هو مواجهة الحياة دون مال.

يتابع محدثنا "لم أتعاطَ مع الأمر بشكل سلبي، فكرت أنه عليّ توفير الطعام ومكان آمن للنوم، ووجدت الحل في التطوع، في تايلاند عملت في المطاعم والنزل والمقاهي، وكنت أحصل في المقابل على الأكل والسكن".

وفي أحيان كثيرة كان سليم يتوسد خيمته في الحدائق العمومية في تايلاند، ولم يكن الأمر يمثل إشكالا بالنسبة إليه، بل هو "حل منطقي لرحال لا مكان ثابت له".

يقول سليم إن وضعيته الجديدة علمته سياسة التقشف وكشفت له عن المعنى الحقيقي للحاجة، وجعلته يدرك الفرق بين ما نحتاجه وما نرغب به، وأن الحاجة ليست شيئا ثابتا وإنما هي مرتبطة بالمكان والزمان والوضعية الصحية والروحية.

يوميات بانكوك

رحلة سليم في العاصمة التايلاندية "بانكوك" كانت مليئة بالتجارب والمغامرة والأحداث التي يقول إنها شكلت منعرجا حاسما في حياته وغيرت مدار تفكيره، من ذلك تلقيه المساعدة من شاب اكتشف لاحقا أنه إسرائيلي الجنسية، ليخوض معه حوارا حضرت فيه مشاهد الحرب في فلسطين والمجازر التي ارتكبت على أرضها والانتهاكات التي مورست على سكانها، وطغت عليه قيم يقول سليم إنها "أعلى من القومية وأعلى من الانتماء الديني والطائفي والعرقي، وهي الإنسان".

في بانكوك عايش سليم حياة وثقافة مختلفتين عن بلده جعلتاه يفكر في كيفية تشكل الصور في أذهاننا ويتساءل هل هي نابعة من ذواتنا أم هي صور تزرع فينا ونتبناها لاحقا ونتعامل بها؟

ويتابع سليم "في بانكوك تعلمت أن الرائحة واللون ثقافة، فالأشياء التي أمقتها في بلدي لم تعد بالضرورة كذلك، فطعم الفئران والحشرات في بانكوك كان لذيذا رغم رائحتها التي بدت لي كريهة، علمني ذلك أن أمعن في النظر إلى الأشياء وأن أتحسس ذاتي وسط الكم الهائل من التراكمات".

من لاوس إلى ماليزيا... بالأوتوستوب

"ملاكا" جنوب غرب ماليزيا كانت المحطة الثالثة لسليم بعد لاوس التي قضى فيها شهرا يعمل كمتطوع، وقد دعاه إليها رحال تونسي تواصل معه قبل خوضه لتجربة الترحال.

يقول سليم "رحلتي إلى هذه الجزيرة كانت ممتعة وشاقة، لم أكن أملك المال لأركب الطائرة، فاعتمدت طريقة "الأوتوستوب" قطعت أكثر من 5000 كلم لأصل إلى ملاكا وقد استغرق ذلك مني سبعة أيام لم أنم خلالها سوى ساعات قلية، كنت متحمسا جدا فالرحلة إلى هناك كانت مثيرة".

ويتابع سليم "أحيانا كنت أركب مع سائق لا يفهم لغتي ولا اللغة الانجليزية فكنا نعتمد الإشارات، وفي أحيان كثيرة كنت أضل طريقي فيعيدني إليه سائقو الدراجات النارية".

في ملكا التقى سليم برحاليْن تونسييْن قادهما أيضا حب المغامرة والبحث عن الذات إلى خوض تجربة الترحال، كان الأمر بالنسبة له ممتعا.

يقول "أعاد لي هذا اللقاء العديد من الأحاسيس التي غابت وسط الذكريات ووسط الكم الهائل من الأحداث والتفاصيل التي أعيشها أثناء السفر".

العودة إلى تونس

العودة إلى تونس لم تكن ضمن خطط سليم القريبة، فتجديد جواز سفره هو ما قاده إلى الرجوع بعد سبعة أشهر أولى من السفر.

يذكر سليم لـ"سبوتنيك" أن الحياة في تونس لم تتغير "فالأزمة السياسية مستمرة والوضع الاقتصادي على حاله والناس يمارسون عملهم الروتيني المعتاد"، مستدركا "أنا فقط من تغير، صرت أنظر إلى الأمور بشكل مختلف وأصبحت أؤمن أنه يجب أن أكون جزءا من الحل".

يقول سليم "علمني السفر أن أنظر إلى الأمور بشكل مختلف، أصبحت أكثر رفضا لفكرة الحكومة ولفكرة أن مجموعة من الناس تملك بيدها رقاب الملايين، وبدأت العملية الانتخابية تبدو لي أكثر زيفا ومجرد وسيلة يعتمدها النظام العالمي لتمرير سياساته الاقتصادية".

لم يدم مكوث سليم في تونس طويلا، فالطاقة التي عاد بها بدأت تتآكل ورحلة البحث عن ذاته لم تكتمل بعد، ليعاود السفر مجددا إلى ماليزيا ومن ثمة إلى الفيتنام جنوب شرقي آسيا، رحلة آمن فيها الرحال التونسي بأن الحياة هي أن تعيش اللحظة وأن تتصل وتتواصل وتشارك، وأن المعرفة تبادل، وأن المكان والزمان الحقيقيين للإنسان هما داخله.

قد يهمك أيضا

صحافيون سعوديون يكذبون نبأ اعتقال الإعلامي داوود الشريان متهمين قطر بالترويج للشائعة

فيروس "كورونا" يُجبر شركة "وان بلس" الصينية على إطلاق غريب لهاتفها الجديد