تونس ـ أزهار الجربوعي عادت حمى الاحتجاجات والإضرابات العامة لتلون المشهد السياسي في تونس من جديد، إذ أُصيب ثلاثة مواطنين في اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن في مدينة بن قردان جنوب البلاد، قرب الحدود الليبية ،مساء الخميس، بعد أن عمد محتجون إلى إضرام النار في المقر الرئيسي للشرطة التونسية إلى جانب حرق مقر مكتب حركة "النهضة" الإسلامية الحاكمة، وبالتزامن مع ذلك استمع قاضي التحقيق التونسي الخميس، إلى وزير الخارجية رفيق بن عبد السلام على خلفية ما بات يُعرف بقضية "الشيراتون" بعد أن اتهمته الكاتب الصحافية ألفة الرياحي في التورط في إهدار المال العام، إلا أن بن عبد السلام اعتبر نفسه "مستهدفًا"إعلاميًا وسياسيًا.
وقد أسفرت مواجهات عنيفة مع قوات الأمن التونسي عن جرح ثلاثة محتجين بعد أن قاموا باقتحام مقر الأمن في منطقة بن قردان التابعة لمحافظة مدنين جنوب تونس وحرقها، إلى جانب إضرام النار في مقر حزب النهضة الحاكم، الأمر الذي دفع عناصر الشرطة إلى التراجع والانسحاب بسبب نفاد الذخيرة من قنابل الغاز المسيل للدموع، تفاديًا للالتحام مع المواطنين الغاضبين، وذلك إلى حين وصول تعزيزات أمنية.
وقد أكد شهود عيان لـ"العرب اليوم" أن "عناصر الجيش الوطني التونسي بدأت ليل الجمعة في الانتشار الكثيف في مدينة بن قردان كلها ومحيطها لتحل محل قوات الأمن التي تراجعت مساء الخميس".
من جهته، شدد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية خالد طروش على أن "استهداف المقرات الأمنية غير مبرر، لأن الأمن ليس في مواجهة مع المواطنين، على حد قوله". وقد أسفرت هذه الاشتباكات الحادة عن سرقة ست  سيارات محجوزة لدى الديوان التونسي، إلى جانب سلاح وحيد من نوع "شتاير" .ذخيرة، كما تم حرق مخزن للحبوب والسوق اليومية للخضر والغلال.
وجاءت هذه الأحداث تتويجًا للإضراب العام الذي نفذه الإتحاد العام التونسي للعمل،"كبرى المنظمات النقابية في البلاد"، الخميس في بن قردان، وهو ما أصاب جميع القطاعات بالشلل، باستثناء الصيدليات والمستشفيات والمخابز، ويأتي هذا الإضراب على خلفية ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة من احتجاجات حادة ما فتئت تتطور من دون إيجاد حلول جذرية لوقف نزيفها،إذ يرى أهالي المنطقة أن الحكومة تمعن في تهميشهم وتتجاهل مطالبهم في الحق في التنمية والتشغل وإﻋﺎدة ﻓﺘﺢ اﻟﻤﻌﺒﺮ اﻟﺤﺪودي في ﺮأس ﺟﺪﯾﺮ أﻣﺎم اﻟﻤﺒﺎدﻻت اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ واﻟﻤﺘﻮﻗﻔﺔ ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ، وعلى الرغم من أن محافظ مدنين أكد أن المعبر سيفتح تدريجيًا منذ منتصف ليل الخميس، لكن المنظمة الشغيلة قررت المضي قدمًا في تنفيذ الإضراب.
من جانبه، قال الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بن قردان إن "معبر رأس جدير هو جانب من الجوانب التي تم على أساسها إقرار الإضراب، وتحدث عن سياسة التهميش التي تعاني منها الجهة".
وقد عاشت مدينة بن قردان الحدودية منذ ستة أيام على وقع تحركات احتجاجية عنيفة، بلغت ذروتها الخميس، وذلك بسبب تواصل غلق معبر رأس الجدير من طرف السلطات الليبية، على اعتبار أن التجارة بين البلدين تمثل شريان الحياة ومورد الرزق الوحيد لمتساكني هذه المنطقة الحدودية، إلا أن معالم الحياة بدأت تسري تدريجيًا في معبر رأس جدير الحدودى بين ليبيا وتونس، إذ دخلت، الخميس، أولى الشاحنات التجارية المقبلة من ليبيا فى اتجاه مدينة بن قردان، وذلك عقب زيارة رسمية أداها رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي إلى ليبيا، أثمرت إعلانا مشتركا عن التعهد بالتعجيل في تنفيذ إجراءات فتح المعبر الحدودي في رأس جدير أمام حركة المبادلات التجارية بين الجانبين التونسي والليبي بعد غلق ناهز شهرًا من الزمن .
وكان سفير تونس في ليبيا، رضا بوكادي قد أعلن عن "فك اعتصام سائقي الشاحنات الليبية في معبر رأس جدير من معتمدية بن قردان، مؤكدًا أن "الوضع متوتر في بن قردان، وأن وزارة الداخلية في تونس قد اتخذت إجراءات لتأمين مرور الشاحنات".
وفي سياق منفصل، صرح محامي وزارة الشؤون الخارجية، فتحي العيوني بأن "حاكم التحقيق في المحكمة الابتدائية في تونس استمع الخميس إلى وزير الخارجية رفيق عبد السلام على خلفية القضية التى رفعها ضد الكاتبة ألفة الرياحي".
وبيّن العيوني أن "عبد السلام أجاب عن أسئلة التحقيق المتعلقة بثلاث مسائل أساسية في ما يتعلق بليالي الشيراتون والهبة الصينية ومسألة المرأة التى أقامت في الشيراتون".
وكانت الكاتبة ألفة الرياحي قد اتهمت وزير الخارجية التونسية بـ "الانتفاع بإقامة غير قانونية في نزل الشيراتون على نفقة الدولة، كما أشارت إلى حصوله على مبلغ مليون دولار من وزارة التجارة الصينية وقع تحويلها إلى حساب سري خاص في وزارته".
من جانبه، أعلن محامي ألفة الرياحي، شرف الدين القليل مساء الخميس، أن "حاكم التحقيق أجّل الاستماع إلى موكلته مبدئيا إلى الثلاثاء المقبل 15 كانون الثاني/يناير الجاري".
وكانت النيابة العمومية قد وجهت إلى الكاتبة سبع تهم من أهمها نسبة أمور غير صحيحة إلى موظف عمومي ونشر أخبار زائفة من شأنها تعكير الصفو العام وتسريب وثائق، وذلك إثر نشرها كشوف حسابات ومقالات تتهم من خلالها وزير الشؤون الخارجية بالفساد المالي وإهدار المال العام والخيانة الزوجية.
وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية رفيق عبد السلام،  إن "إثارة قضية الشيراتون في مثل هذا الوقت عند الإعلان عن رغبة التحويرات الوزارية "هو لغاية في نفس يعقوب"، متوقعًا أن "يكون لهذا الحدث مفعول عكسي، خلافا لما خطط له مدبروه، على حد قوله".
واعتبر أن "الاتهامات التي يواجهها تثبت أنه مستهدف سياسيًا وإعلاميًا، باعتباره جزءًا من حكومة الترويكا، التي يسعى بعض خصومها لإفشالها وإسقاطها".
وبشأن التعديل الوزاري المرتقب، أكد بن عبد السلام أن "وزارات السيادة ستبقى في يد حركة"النهضة"بغض النظر عن بقائه في الحكومة".
وأضاف وزير الخارجية التونسي أن "القرار الأخير في إحداث تغييرات على مستوى وزارات السيادة، سيكون لحركة النهضة التي سيكون رأيها في المسألة هو الفيصل، على حد قوله".