لندن ـ سليم كرم تواصل إحدى المدارس الثانوية السورية رسالتها التعليمية في بلدة قباسين، في الوقت الذي تشتد فيه حدة القتال في حلب، مايدل على أن هناك بصيص أمل في مستقبل الشعب السوري، إذ يقوم الطلبة بتعلم اللغة الإنكليزية وتنحية التوترات والخلافات العرقية جانبًا.  ويؤكد مراسل صحيفة "الغارديان" البريطانية أن "هذا المشهد في حد ذاته يبعث على الأمل"، كما أعرب عن "دهشته عندما شاهد استمرار العملية التعليمية واستمرار الطلبة في تلقي الدروس ولاسيما في مدرسة في بلدة قباسين في ريف حلب التي قرر مديرها أن يبدأ الدراسة قبل شهرين على الرغم من سعير الحرب الأهلية الذي يشتد على بعد 40 كيلو من المدرسة".
ويقول مدير المدرسة إن "المدرسة آمنة نسبيا إذا ما تجاهلنا طائرات النظام التي تحلق فوقنا"، ويؤكد أنه "يريد ألا تتوقف العملية التعليمة في سورية بدافع الخوف".
وقد قام مراسل الصحيفة في جولة في المدرسة حضر خلالها درسًا في اللغة الإنكليزية لمجموعة من الطلبة وتحدث إلى حسن مدرس اللغة الإنكليزية 30 عامًا والذي هرب من حلب، وجاء إلى هذا البلدة ليعمل مدرسًا بلا أجر، ويقول إنه "مدرس ويرغب في التدريس ولا يستطيع أن يتوقف عن أداء رسالته".
أما سر اكتئاب حسن الذي كانت ترتسم على وجهه علامات الحزن العميق، فهو نتيجة حجم الدمار الذي ألم بمدينة حلب التي يقول إنها" مدينته المحببة إلى قلبه ولاسيما الأضرار التي لحقت بالسوق الذي يرجع تاريخه إلى العصور الوسطى، فلقد انطفأ سحر وجمال حلب بعد أن سقطت في هاوية الحرب قبل ستة أشهر، وأصبحت الآن مكانًا مهجورًا يعشش فيه الجوع والبؤس والبرد والموت الذي تحمله الطائرات".
وعندما سئل حسن عن المسؤول أخلاقيًا واجتماعيًا عن انهيار سورية على هذا النحو قال "كلنا مسؤولون عن هذا الانهيار، الجميع ارتكب أخطاء في حق سورية، وكل ما أتمناه هو أن تعود الأشياء إلى ما كانت عليه في السابق".
وأضاف مراسل الصحيفة البريطانية الذي جاء يبحث عن العائلات التي شتت شملها الحرب أن "الكثير من تلاميذ المدرسة قد فروا مع عائلاتهم من حلب هذه البلدة التي تزايد عدد سكانها بعد الانتفاضة السورية من 18 ألف نسمة إلى 30 ألفًا".
ويشير مراسل الصحيفة إلى أن "هذا هو حال المناطق كافة التي تسيطر عليها قوات المقاومة شمال سورية، إذ يعيش الملايين ما بين التشرد أو مزاحمة الأقارب في منازلهم الآمنة نسبيًا أو استئجار غرف خاصة أو اللجوء إلى المخيمات المقامة على الحدود".
وتضم بلدة قباسين خليطًا من السكان العرب والأكراد، وعلى الرغم من الخلافات العرقية والطائفية التي تشهدها مناطق أخرى في سورية، لكن هذه القرية تقدم النموذج للتعايش والتعاون بين الأعراق المختلفة، فمدير المدرسة واسمه معمر من الأكراد، ومعظم العاملين في المدرسة من غير الأكراد، كما أن ناظرة مدرسة البنات المجاورة تركمانية.
وعلى أبواب فصول المدرسة، كانت هناك بعض الصور لبشار الأسد، ولكن أحدهم قام بخدش وجه الأسد بعنف. ويقول مدير المدرسة إنه "مازال ملتزمًا بالمنهج الدراسي الذي كان معمولا به قبل الثورة، ولكنه أسقط من المنهج مادتين، وهما مادتا التاريخ والتربية القومية، فكلتاهما تمجدان في حزب البعث وعائلة الأسد".
وتعاني المدرسة من انقطاع الكهرباء والبرد القارص نتيجة عدم توفر أجهزة التدفئة ، مثلها في ذلك مثل المناطق كافة التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية. وقد حاول مدير المدرسة أن يحصل من وزارة التربية والتعليم في دمشق على بعض الوقود، وكان الرد أنهم "لا يبعثون بأي دعم لمناطق يسيطر عليها أفراد المقاومة".
يذكر أن السوريين عادة ما يستخدمون المازوت والديزل كوقود لتشغيل غلايات التدفئة لرخص سعره، ولكن  المازوت ارتفع سعره بصورة جنونية بسبب الحرب التي رفعت حتى أسعار الخبز الذي بات سلعة صعبة المنال في المناطق التي يسيطر عليها أفراد المقاومة.
وأضاف ناظر المدرسة أن "نظام الأسد كان يحرم تعليم اللغة الكردية، كما حرم التحدث بها أثناء الخدمة العسكرية، الأمر الذي ظهر معه جيل من الأكراد لا يتقن لغته، أما عن المستقل، فإن الأكراد الذين كانوا محرومين من حقوقهم المدنية، بات بإمكانهم الحصول على حقوقهم بعد الثورة وبعد أن تضع الحرب أوزارها".
فيما تحدث مزارع زيتون، يُدعى محمد حميد، وقال إنه "ينام منذ شهرين في المدرسة بعد أن هجر قريته القريبة من إحدى القواعد العسكرية، واتجه إلى حلب التي غادرها أيضًا بعد اشتداد القتال بين المقاومة وقوات النظام، وقد لقي أحد أبنائه مصرعه قبل عدة أشهر أثناء الصراع في حلب، ولم يعد يعلم ما حل بمزارع الزيتون في قريته التي لا يستطيع حتى مجرد زيارتها".
وفي المقابل يرى المتشائمون أن "سورية ستظل أسيرة العنف لفترة طويلة، كما يتوقعون أن تشهد البلاد أيضًا فترة صراع دموي بعد سقوط نظام الأسد"، لكن مراسل الصحيفة يقول إن "ما شاهده في قباسين يبعث قليلًا من الأمل في المستقبل، فالناس يصرون على تعليم أطفالهم في ظل هذه الظروف، لأنهم على قناعة بأن الأطفال هم مستقبل سورية".