نورمان شوارتزكوف في لقطة تعود لعام 1991
واشنطن ـ يوسف مكي
توفي الجنرال الأميركي نورمان شوارتزكوف الذي قاد قوات التحالف لإخراج قوات الرئيس العراقي صدام حسين من الكويت خلال حرب الخليج، عن عمر يناهز 78 عامًا، وقد أثبت الجنرال آنذاك قدرته على التخطيط الفعال خلال ما يسمى بـ"عاصفة الصحراء".وقد وصف وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا شوارتزكوف بأنه
"واحد من أعظم عمالقة القيادات العسكرية في القرن العشرين"، وعلى الرغم من أن هذا القول قد ينطوي على كثير من المبالغة، إلا أن ما قام به قد فتح المجال أمام تفكك الجيش العراقي.
إلا أن أهم ما يميز شوارتزكوف أنه استطاع أن يعالج ما يسمى "بأعراض حرب فيتنام" وهو الشعور الذي يهيمن على القيادات العسكرية بأنهم يخسرون الحرب داخل أميركا وليس في ساحة المعارك، ويصاحب ذلك الشعور قرارهم بعدم خوض أي حروب ما لم يكونوا على ثقة تامة بتحقيق النصر فيها.
ومنذ العام 1988 تولى الجنرال شوراتزكوف القيادة العسكرية المركزية في الولايات المتحدة، والتي تتضمن مسؤوليات عسكرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقبيل قيام صدام حسين بغزو الكويت في آب/ أغسطس من العام 1990، استطاع أن يقوم بشن حروب صورية تجريبية لاختبار مدى قدرتها واحتمالاتها المتوقعة، وقد أصبحت هذه الخطط هي الأساس لعملية "درع الصحراء" العسكرية، بهدف حماية آبار النفط السعودية من التهديد العراقي. وفي الوقت الذي كانت تتواصل فيه المساعي الدبلوماسية لحل أزمة الغزو العراقي للكويت، كان شوراتزكوف قد أمضى شهورًا في بناء قوة تحالف عسكرية قوامها يزيد على 700 ألف جندي من قرابة عشرين دولة، إلا أن ثلاثة أرباع هذه القوة كان من الولايات المتحدة.
ونتيجة لعدم التزام صدام حسين بالمهلة التي حددتها له الأمم المتحدة آنذاك للانسحاب من الكويت بدأت الحرب في كانون الثاني/ يناير 1991 بغارات جوية استمرت ستة أسابيع، تمهيدًا لشن هجوم بري على القوات العراقية، وطردها من الكويت، وهي العملية التي لم تستغرق سوى أربعة أيام.
وما من شك في أن دقة التخطيط والتنفيذ كانت تتناقض تمامًا مع الصورة النمطية المأخوذة عن شكوارتزكوف، باعتباره يعتمد في شهرته على شخصيته وطباعه أكثر لا على تكتيكاته الحربية، ولهذا أطلقوا عليه لقب ستورمين نورمان، ولكنه كان يفضل لقبًا آخر كان يطلقه عليه جنوده، وهو لقب الدب.
كان شوارتزكوف يقاوم فكرة خوض معارك خاسرة، ولهذا وقف إلى جانب قرار بوش الأب بعدم غزو بغداد، وإسقاط صدام بالقوة. لقد أخطأ شوارتزكوف عندما وافق على السماح للعراقيين باستخدام منطقة الحظر الجوي، الأمر الذي قضى على حركات المقاومة المحلية المعادية لصدام. وقد علق على ذلك بقوله إن السيطرة على كل العراق كانت ستجعل أميركا أشبه بالديناصور في حفرة من القار. وعلى الرغم من أنه دعم بوش في غزوه العراق لاحقًا العام 2003 إلا أنه حمل بشدة على وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، لاستخدامه جنود الاحتياط والشركات الخاصة. وعندما تبين كذب ادعاءات أسلحة الدمار الشامل حذر من تجاهل المسؤوليات الملقاة على عاتق قوة الاحتلال.
لقد ولد هربرت نورمان شوارتزكوف في ترينتون في ولاية نيوجيرسي، حيث كان والده رئيس شرطة الولاية. ولأن أباه كان يكره اسم هربرت فقد غيره في شهادة الميلاد والاكتفاء بحرف إتش. وقد أمضى شوارتزكوف فترة المراهقة في إيران، بعد تعيين والده هناك في أعقاب انقلاب السي آي إيه، الذي جاء بشاه إيران إلى الحكم. كما درس في مدارس طهران وجنيف وفرانكفورت، وكان يتحدث الألمانية والفرنسية بطلاقة، قبل أن يتخرج من أكاديمية فالي فورج العسكرية في بنسلفانيا، ثم التحق على خطى والده في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت في ولاية نيويورك.
لقد كانت حياته المهنية منتظمة، ولكنها لم تكن تنبئ بتقدم غير عادي. وبعد أن خدم في الوحدات القتالية خلال الستينات في برلين حصل على درجة الهندسة الميكانيكية من جامعة ساوث كاليفورنيا، وتطوع في الحرب على فيتنام، ثم عاد إلى ويست بوينت كقائد عسكري قتالي، وحصل على ثلاثة نجوم فضية بسبب دوره البارز في إنقاذ وحدة من الوقوع في شرك حقل ألغام، وفي تلك الأثناء حصل على لقبه المعروف به، بسبب صراخه وحدة طبعه في إصدار أوامره، من أجل إحضار المروحيات، للمساعدة في نقل الوحدة من المكان.
ثم عاد إلى الخدمة في ألمانيا، كما كان نائب القائد العسكري خلال غزو الولايات المتحدة لغرينادا العام 1983. وفي العام 1988 تولى القيادة المركزية الأميركية.
وبعد عملية عاصفة الصحراء اعتزل الخدمة في الجيش ورفض الكثير من العروض لتولي مناصب سياسية، وفي العام 1992 صدرت سيرته الذاتية التي تصدرت مبيعات الكتب آنذاك، وفي العام 1993 خضع للعلاج من سرطان البروستاتا، وأصبح متحدثًا قوميًا في حملات مكافحة المرض.
وقد ترك شوارتزكوف زوجة وهي بريندا وابنه كريسيتان وابنتيه سينسيا وجيسيكا. وفي مقابلة له العام 1992 قال إنه يكره الحرب على نحو مطلق. وقال أيضًا: البراعة العسكرية هي في إدراك أن تحقيق الهدف من المهمة العسكرية لا بد وأن يكون بأقل قدر من الخسائر البشرية.