مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه لليمن، جمال بنعمر
صنعاء ـ علي ربيع
اعتبر ، قرارات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بشأن إعادة هيكلة الجيش وتوحيد قيادته، بداية باتجاه بناء جيش عصري في اليمن يلبي احتياجات القرن الواحد والعشرين، مؤكداً جدية مجلس الأمن في فرض عقوبات على أي طرف يعرقل التسوية
السياسية في اليمن، ونفى بنعمر أن يكون الحوثيون قد تراجعوا عن المشاركة في الحوار.
وقال المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر في حديث لـ"العرب اليوم" إنَّ الشعب اليمني تَعِبَ من المزايدات الحزبية الضيقة ويريد الاستقرار، وأنَّ الانتخابات القادمة هي التي ستحسم مسألة الصراع على السلطة في اليمن بشكل شرعي.
وتحدث المبعوث الأممي بشأن قضايا عدة في المشهد اليمني، من بينها هيكلة الجيش، ووضع الرئيس اليمني السابق، والترتيب لانطلاق الحوار الوطني، وموقف الحراك الجنوبي الانفصالي والحوثيين (الشيعة) من المشاركة، ومصير كل من: نجل الرئيس السابق العميد أحمد علي، وخصمه المنشق بجزء من الجيش عن نظام والده اللواء علي محسن، وعن شكل الدولة في اليمن والدستور القادم ودور الأمم المتحدة في كل ذلك، نافياً لـ"العرب اليوم" ما أشيع عن تعرضه لأكثر من محاولة اغتيال، أثناء زياراته المتكررة لليمن والتي بلغت 15 زيارة منذ 2011، للإشراف على عملية الانتقال السياسي، ومصححاً لـ"العرب اليوم" طريقة كتابة اسمه بالعربية، موضحاً أن اسمه الثاني يكتب متصلاً (بنعمر)، التقيناه خلال زيارته الأخيرة لليمن في مقر إقامته بصنعاء، بعد تنسيق وانتظار دام أكثر من شهرين وسألناه:
*لقيت قرارت الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الأخيرة، بشأن إعادة هيكلة الجيش ترحيباً كبيراً، كما أثارت لغطاً كبيراً بخصوص المستقبل العسكري للواء علي محسن والعميد أحمد علي بعد إلغاء الحرس والفرقة هل لديكم أي معلومات بخصوص تسوية وضعهما؟
- المهم أنَّ عملية إصلاح المؤسسات العسكرية بدأت وبجدية، بدأت وبقرارات رئاسية، هذا تطبيق لاتفاق نقل السلطة بحسب الإلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي نصت على تكامل القوات المسلحة وأن تكون تحت قيادة وطنية مهنية تعمل في إطار سيادة القانون.
وهذه القرارات التي تم اتخاذها مؤخرا تأتي في إطار تطبيق قرار مجلس الأمن الأخير 2051 الذي حث على ضرورة إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية وكان هذا كذلك مطلباً شعبياً واضحاً نراه الآن من خلال المظاهرات التي تمت في عدد من المدن اليمنية، كان هناك ترحيب كبير من طرف الشعب بهذه القرارات، وهذا له دلالة كذلك، الشعب يريد التغيير وفي إطار سياق الإصلاحات المؤسساتية.
*هل كنت مطلعا هذه القرارات؟
**كنت منتظراً أن تصدر هذه القرارات فعلًا لأنَّه كانت لي قناعة أن الرئيس يريد إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية، وكانت في الحقيقة قد بدأت عملية الإصلاحات بالتعيينات الأولى التي كانت قد ووجهت بعرقلة آنذاك، لكن صمد الرئيس واستمر في إصراره على ضرورة إصلاح المؤسسات العسكرية وانتهى الأمر بالإعلان عن خطة متكاملة.
* ما تقيمك لردود أفعال الأطراف التي نالتها هذه القرارات؟
- نحن دائما أكدنا على ضرورة تعاون جميع الأطراف من أجل إنجاح العملية السياسية، وقرار مجلس الأمن 2051 الذي اعترف بأنَّ هناك تحديات وهناك عرقلة وكانت هناك إشارة لعرقلة تطبيق القرارات الأولى المتعلقة بإصلاح المؤسسة العسكرية، نحن الآن نتمنى أن يتعاون الجميع لإنجاح خطة إعادة الهيكلة، ولحد الآن ما لاحظناه هو ردود فعل إيجابية، نتمنى أن يتعاون الجميع لإنجاح الخطة العسكرية.
*تعتقد كيف سيتم ترتيب الوضع الوظيفي للمنشق بجزء من الجيش عن نظام صالح اللواء علي محسن ونجل صالح العميد أحمد علي؟ بعد أن تضمن قرارات الرئيس هادي إلغاء الفرقة الأولى مدرع والحرس الجمهوري ودمجهما بوحدات الجيش؟
- هذا قرار بيد الرئيس (هادي)، والمسألة ليست مسألة أفراد، أنا اقترحت في تقريري لمجلس الأمن أنَّ هناك فساداً في المؤسسة العسكرية، وأنَّ الولاء ليس للدولة ولا للدستور، ولكن للأشخاص والقادة العسكريين، وأنَّ ظاهرة الفساد تفشت لدرجة أنَّ أعداداً كبيرة من المحسوبين على الجيش هم في الحقيقة وهميون، كذلك سادَ وعي بأنَّ التركيبة الموجودة للجيش هي قديمة جدًا، ولا تعكس واقع القرن الواحد والعشرين، والتحديات الأمنية التي يواجهها اليمن، وبدأ العمل منذ عدة شهور في هذا الموضوع وانتهى الأمر بخطة متكاملة، وكان قرار الرئيس هادي مناسباً وجاء في وقته.
*متى آخر مرة قابلت الرئيس السابق (صالح)؟ وهل التقيته في عودتك الأخيرة؟
- التقيته في الزيارة السابقة.
*هناك أطراف سياسية الآن بدأت تسرب أنَّها سترفض الحوار ما لم يخرج صالح من البلاد ويترك المؤتمر الشعبي العام؟ هل من توجه لديكم أو لدى المجتمع الدولي في هذا الاتجاه؟ علماً أنَّ صالح وحزبه يؤكدون أنَّ المبادرة الخليجية لم تتطرق لمثل ذلك؟
- اليمن كان على حافة الدخول في حرب أهلية، وكان الوضع خطيراً وخطيراً جداً، وأنا أتذكر زيارتي الأولى، (في 2011) كان هناك اشتباكات خطيرة وتوسعت لمدن أخرى مثل تعز ومناطق أخرى لكن في نهاية المطاف وصل الجميع إلى خلاصة واحدة، وأنَّه يجب تجنب الدخول في الحرب الأهلية، وتحمل القادة السياسيون كلهم مسؤولياتهم وتحاوروا ووصلوا إلى اتفاق نقل السلطة، واتفاق ينظم كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، التي سيتم خلالها الاتفاق على قواعد جديدة في اللعبة السياسية، والدخول في انتخابات عامة بناء على دستور جديد، وهذه الانتخابات هي التي ستحسم مسألة الصراع على السلطة بشكل شرعي.
*أفهم من كلامك أنَّه ليس بالضرورة أن يخرج الرئيس السابق من المشهد السياسي في اللحظة الراهنة؟
- لم أقل هذا، أنا كل ما أكدت عليه، أنَّ هناك اتفاقاً على نقل كامل للسلطة، وهناك آليات لتحقيق ذلك، وهذا يتطلب تعاون جميع الأطراف الفاعلة، كذلك يجب التركيز الآن، على تنفيذ ما تبقى من المرحلة الانتقالية الثانية، والتركيز يجب أن يكون على الحوار الوطني الشامل، والاتفاق على الدستور الجديد، والتهيئة للانتخابات العامة وليس الدخول في صراعات جانبية في هذا الوقت.
* طالما أنك ذكرت الحوار الوطني أعتقد أنه من المناسب أن أسألك بخصوص موعد انطلاقه بالضبط، إن كنت على اطلاع؟
- أولًا أؤكد أنَّه تم الاتفاق على مؤتمر الحوار، من أجل توسيع دائرة المشاركة في العملية السياسية في اليمن، حتى لا تقتصر على الأطراف التقليدية أو البرلمانية، وكان هناك اعتراف من قبل الجميع، أنَّ هناك أطرافأً فاعلة يجب أن تكون داخل العملية السياسية، وهي الحراك الجنوبي والحوثيون، والشباب الذين خرجوا في الساحات، وأنه لا يمكن أن تكون هناك صفقات وراء ظهر الشباب، ولا بد أن يكونوا داخل العملية السياسية، وكان هناك تأكيد على ضرورة مشاركة المجتمع المدني والمرأة، لهذا تم الاتفاق على تنظيم مؤتمر حوار وطني، لكن تم الاتفاق على مرحلة تحضيرية للحوار ومحاوره وآليته، وتأسست لجنة فنية للتحضير للحوار من مختلف الفعاليات الموجودة في المجتمع المدني، وتحاورت وكانت هناك أحيانا خلافات لكن في نهاية المطاف كان أداء اللجنة جيداً، وتوصلت إلى اتفاق مفصل حول كيفية تنظيم وإدارة الحوار الوطني، وأنا جلست واستمعت للجنة لساعات طويلة وأيام، وما حصل في اللجنة من توافق ونقاش جدي، كله يبشر باليمن الجديد.
*كان سؤالي تحديداً عن الموعد المرتقب للحوار؟
- الموعد يحدده الرئيس هادي.
* تعتقد أنَّه سينعقد قبل مارس المقبل، كما تتوارد بعض الأخبار؟
- أنا متأكد أنَّ الرئيس سيعلن عن الموعد قريباً، لأنَّ اللجنة قدمت تقريرها إليه، لكن هناك عدد من الإجراءات التحضيرية لازالت مستمرة، مثلا اللجنة الفنية اتفقت على آلية لاختيار المشاركين في الحوار من الشباب والمجتمع المدني والقطاع النسائي.
*اللجنة وضعت المعايير بشأن المستقلين من الشباب وقطاع المرأة والمنظمات، هل يعني أنها هي المعنية بقبول الترشيحات واختيار الأعضاء بشكل مباشر؟
- اللجنة اتفقت على آلية لاختيار المشاركين من هذه المجموعات واليوم(الأحد) شكلت لجنتين، لجنة تعمل في صنعاء ولجنة في عدن وهدف هذه الآلية هو اختيار الممثلين.
*بالنسبة للحوثيين، وما تناقلته وسائل الإعلام من ردة فعلهم بخصوص قرار الهيكلة، وتفسير ذلك بأنه رفض للحوار، هل لديك أي معلومات بهذا الخصوص؟
- أنا من خلال زيارتي لصعدة (شمال اليمن) ولقائي مع السيد عبد الملك الحوثي في صعدة، ومن خلال عدد من الاتصالات التي هي في الحقيقة مستمرة مع السيد عبد الملك، وكذلك من خلال حكمي على الأداء الجيد لممثلي الحوثيين في لجنة الحوار، كل ما أراه أن هناك التزاماً منهم بالمشاركة في العملية السياسية وفي الحوار الوطني، طبعاً للإخوة الحوثيين مواقف تتعلق بقضايا أخرى، وهذا من حقهم. وكان آخر لقاء لي مع الحوثيين أمس(السبت22كانون الأول/ديسمبر)، وكما قلت التواصل معهم مستمر، لكن كل ما أؤكد عليه أنه فعلاً هناك التزام بالمشاركة في الحوار الوطني، وأنا دائما أثني على الدور الإيجابي للحوثيين داخل اللجنة الفنية التحضيرية للحوار، كان أداؤهم جيداً والجميع يعترف بهذا.
*ماذا عن الوجهة الأصعب، وأعني مشاركة الحراك الجنوبي،(المطالب بالانفصال عن شمال اليمن) نحن في الحقيقة بصدد حراكات موجودة، هل إذا استمرت بعض الفصائل في رفض المشاركة سيمضي الحوار من دونهم؟
- الاتصالات مستمرة مع جميع إطراف الحراك في الداخل والخارج، ونزلنا عدن مرتين، وعقدنا اجتماعات في القاهرة، واتصالاتي دائمة، في الحقيقة ليس هناك موقف واحد داخل الحراك، هناك اتجاهات مختلفة، لكن أنا لي قناعة أنه عدد كبير من الإخوة في الحراك يرون الآن أنه هناك فرصة تاريخية للتعامل مع القضية الجنوبية في إطار مؤتمر الحوار الوطني، وموقف الأمم المتحدة كان دائما واضحاً، أولا يجب الاعتراف أنه كانت هناك مظالم، ومظالم حقوقية يجب أن ينظر فيها أو يتم التعامل معها بجدية، لأنه بدأ الحراك في 2007 وكانت المطالب هي مطالب حقوقية، ونعتبرها مشروعة لكن مع الأسف كانت هناك وعود ولم تتحقق، وكان هناك قمع للمظاهرات، وهذا ما عقد الأمور وجعل سقف المطالب يرتفع، وهذا معناه الآن يجب أن تكون هناك إجراءات من أجل إعادة بناء الثقة، تركز على تلبية مطالب الجنوبيين، الجميع في اليمن يعترف أنه كان هناك تجاوزات وخروقات لحقوق الإنسان، وأن للجنوبيين مطالب يجب أن تلبى، كذلك من جهة أخرى نحن دائماً ركزنا على أنه مهما كانت الخلافات، فالقضية الجنوبية لا يمكن أن تحل إلا من خلال الحوار ما بين جميع الأطراف، ونشجع الجميع على الدخول في الحوار بدون شروط.
*كان سؤالي ينطلق من فرضية تقول: ماذا لو استمر فصيل ما في الحراك الجنوبي على إصراره في رفض الحوار رغم ما سيتخذه فخامة الرئيس من قرارات تلبي الحقوق المطلبية؟ هل سيمضي الحوار بدون هؤلاء؟ أقصد هل أي نسبة من المجتمع يمكن أن تعيق برفضها انطلاق الحوار؟
- طبعاً لا، مؤتمر الحوار الوطني سينعقد وفي وقت قريب ان شاء الله، وستكون هناك مشاركة فاعلة وقوية للحراك، أكيد لن تكون جميع الفصائل ممثلة، لأنه في الجنوب، هناك مواقف متباينة، وهذه هي طبيعة الحياة، يقال لي دائما لابد أن يدخل الجنوبيون في الحوار بموقف واحد، كذلك في الشمال هناك مواقف مختلفة، حتى داخل الأحزاب الرئيسة الموجودة، المؤتمر الشعبي، الإصلاح، عندما أتحاور معهم أجد داخلهم آراء مختلفة، وهذا طبيعي، المهم وهذا ما نؤكد عليه هناك فرصة وهي تاريخية، هناك اعتراف من طرف الجميع على أن هناك شيئاً اسمه القضية الجنوبية، وهناك اعتراف أنه يجب أن تحل بشكل عادل، وهناك اعتراف من طرف الجميع أن هذا الحل لن يأتي إلا عن طريق الحوار المباشر، مابين هذه الأطراف، ولذلك أشجع الإخوة في الحراك على ضرورة المشاركة في الحوار الوطني الذي سيكون من ضمن محاوره القضية الجنوبية، وهناك آلية خاصة بها ومعايير.
*إذا انتقلنا إلى موضوع آخر، يتعلق بالترتيبات القادمة بشأن الحوار ومخرجاته، والدستور القادم وشكل الدولة،هل هناك ما يعتمل تحت الطاولة الآن في هذا الشأن، بصفتك تلتقي كل الأطراف وتتطلع على وجهات نظرها؟
- هناك آراء وتصورات مختلفة، لكن أريد التأكيد على مسألة أساسية، الأمم المتحدة لا تدعو إلى حل معين، مثلا نحث الجميع على الدخول في حوار وطني شامل لكن ليس لنا موقف محدد كأمم متحدة، حول طبيعة النظام السياسي، أو شكل الدولة، أو بأي شكل تحل.
*لكن ماذا تستشعرون؟
- نحث الجميع على الدخول في حوار جدي وأخذ كل التصورات والوصول إلى خلاصات من خلال التوافق بين كل الآراء، الأمم المتحدة دورها تيسيري، العملية السياسية هي يمنية وبقيادة يمنية، دور الأطراف الخارجية يجب أن يكون محدوداً في إطار التيسير أحيانا، عندما تكون هناك خلافات وعوائق، كما عملنا مع اللجنة الفنية للتحضير للحوار، وقدمنا المشورة وقدمنا خلاصات تجارب الأمم المتحدة، لكن فيما يخص القضايا الدستورية نحن نحث على: أولا أن تكون العملية شفافة، وأن تكون ثانياً بمشاركة الجميع، وثالثاً على ألا تقتصر هذه العملية على نخبة، وإن كانت جميع الأطراف ممثلة، يجب أن يشارك الجمهور العام في النقاش حول الدستور المقبل، وهذه العملية تبقى في الأخير عملية سياسية ويقودها اليمنيون، دورنا في الأمم المتحدة، الدعم وتقديم المشورة حين يطلب منا ذلك، وتقديم بعض المعلومات أحياناً والاستفسارات التي تتعلق بتجارب مختلفة، لكن ليس لنا موقف معين من النظام السياسي وشكل الدولة.
* تصريحك الأخير لدى عودتك لليمن بأنَّ مجلس الأمن يدرس تشكيل لجنة لفرض عقوبات بحق معرقلي التسوية السياسية، هل كان التصريح في إطار تخويف الأطراف من عقوبات قادمة، حتى لا تعترض على قرارات الهيكلة التي أصدرها الرئيس هادي أخيراً ، أم بالفعل هناك لجنة لإصدار عقوبات؟
- الاجتماع الأخير لمجلس الأمن كان في جلسة مفتوحة وليست مغلقة، وتكلم كل أعضاء مجلس الأمن وكانت الرسالة منهم واضحة، وهناك انسجام في الآراء الجميع يريد أن تنجح هذه التجربة الفريدة من نوعها في المنطقة، تجربة نقل السلطة بشكل سلمي، ومجلس الأمن اعترف في قراره 2051 أن هناك عرقلة، ولهذا أشار إلى البند المتعلق بالعقوبات، ولهذا المداخلات التي كانت في مجلس الأمن ركزت على هذه النقطة، ونحن نتمنى ألا يلجأ مجلس الأمن إلى إجراءات من هذا النوع إلا بالنظر إلى مدى تعاون الأطراف.
*لكن أتصور أنَّ إقرار أي عقوبات في هذه اللحظة سيؤزم الوضع أكثر، ألا ترى ذلك؟ خاصة في ظل عدم وجود عرقلة صارخة ضد قرارات الرئيس هادي؟
- كما قلت أتمنى أن تتعاون جميع الأطراف، لكن إذا أصر المفسدون على الاستمرار في العرقلة، أنا متأكد، حسب ما لاحظت من مجلس الأمن الذي اجتمعت معه 15 مرة، وقدمت 15 تقريراً، أنا أعرف أنَّ هناك إرادة حقيقية في مجلس الأمن لإنجاح هذه التجربة، ولن يسمح مجلس الأمن للمعرقلين، وسيتخذ الإجراءات الضرورية، أما فيما يتعلق بالإجراءات الإضافية التي يمكن أن يتخذها المجلس، فهذا ليس من صلاحيات الأمين العام، بل من صلاحيات الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أنا ما لمسته أن هناك إصراراً وإجماعاً على ضرورة إنجاح هذه العملية لانتقال السلطة، كذلك هناك إدراك أنه إذا ما كانت هناك عرقلة، سيتخذ مجلس الأمن القرارات الضرورية.
*هل هناك مواقف أثرت فيك شخصياً أثناء تواجدك في اليمن؟
أنا ما أثرت عليّ في الحقيقة هي النقاشات مع اليمنيين العاديين من غير السياسيين، انأ التقيت حتى الآن آلاف اليمنيين واليمنيات ولا أكتفي بلقاء وحوار السياسيين فقط، ما لمسته أن هناك رغبة صادقة لدى اليمنيين، للتغيير، لا خلاف في ذلك، الشعب يريد التغيير، ثانياً الشعب يريد أن يعيش حياة كريمة، واستقراراً وأمناً، وتعبَ اليمنيون ـ حسب ما لاحظت من نقاشاتي مع الناس العاديين ـ من خلافات السياسيين، الشعب الآن يريد أن تنجح هذه المرحلة الانتقالية، و ما يفسر إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي هو هذه الرغبة، كذلك الاستجابة الإيجابية للقرارات الأخيرة حول إصلاح المؤسسة العسكرية، يدل على هذه الرغبة في التغيير، الشعب يريد الاستقرار، وأن يعيش حياة كريمة، وقد تحمل هذا الشعب الكثير، وصبر اليمنيين كان خارقاً للعادة، لكن أؤكد كذلك على أن ما تم بمثابة معجزة، ففي الحقيقة كان اليمن على حافة الدخول في حرب أهلية، لكن القادة السياسيين كذلك تحملوا مسؤولياتهم.
*باعتبار أنَّ المتحاورين هم أطراف سياسية موجودة في الأغلب من قبل التسوية، ولها توجهاتها وقد تتوصل إلى اتفاقات لا تفرز رغبة الشارع، خاصة وان الأطراف المتحاورة هي ذات الأطراف التي هيمنت على ماضي اليمن من نصف قرن تقريباً، وهي نفسها التي تستنهض للتأسيس للمستقبل القادم، وهي تملك الثروة والقوة والنفوذ، ماذا عن المخاوف من أن تعيد كل هذه الأطراف إنتاج نفسها لسرقة حلم التغيير والمستقبل في اليمن؟ وكأنك يا أبو زيد ما غزيت، وكأنك يا بنعمر لا رحت ولا جيت!!، السؤوال هل لدى الأمم المتحدة ضمانات لتكون مخرجات الحوار ملبية لطموحات الشعب اليمني؟
- نحن في الأمم المتحدة واثقون أنَّه بمقدور اليمنيين التغلب على صعوباتهم، وهم برهنوا على هذا، حينما تعقدت الأمور في 2011، وبدأت بوادر الحرب الأهلية، ما تم كان نتيجة حوار مباشر مابين الأطراف وتحمل القادة السياسيون مسؤولياتهم وخلصوا إلى اتفاق، أنا كنت الطرف الميسر للاجتماعات التي تمت في نوفمبر وكانت نتيجتها اتفاق نقل السلطة الذي سميناه الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي وقعت في الرياض، الأطراف الخارجية حصلت على الوثيقة بعد انتهاء المفاوضات وكلهم حصلوا عليها في يوم واحد، هو يوم التوقيع، وقبل التوقيع بساعات وزعته على السفراء الخمسة، وكان هذا الاتفاق ناتج عن الحوار بين الأطراف اليمنية، بالنسبة للأمم المتحدة ليس لها أي مصلحة خاصة، وهي ربما الطرف الوحيد، نحن ليس لنا حدود مع اليمن، وليس لدينا تجارة بترول مع اليمن، وليست لنا مصالح عسكرية إستراتيجية أو أمنية، مرجعيتنا هو القانون الدولي وتطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالحالة في اليمن، قرارات مجلس الأمن دعت في القرار الأول إلى تسوية سياسية، وساعدنا على تشجيع اليمنيين للوصول إلى هذه التسوية، القرار الثاني كذلك أكد على مساعدة اليمنيين من أجل إنجاز المهام الأساسية للمرحلة الانتقالية، ومنها مؤتمر الحوار الوطني، لهذا قدمنا بعض المساعدة التقنية، وقدمنا بعض الآراء، واليمنيون هم أنفسهم اتفقوا على خطة شاملة لإدارة مؤتمر الحوار الوطني، رغم تعقيدات الوضع وتضارب المصالح والآراء، فعلا أنا متفائل، في ظل هذا التنافس في الدخول على الحوار، والنقاش الدائر حول حصص كل طرف ، وهذه ظاهرة صحية وتعكس رغبة الجميع للمشاركة في صنع اليمن الجديد عبر مؤتمر الحوار الوطني.
*بشأن الأطراف الرافضة لحصص تمثيلها في الحوار، وعلى سبيل المثال هناك ثلاثة أحزاب في المشترك رفضت ما حصلت عليه من مقاعد وأعلنت تعليق مشاركتها في الحوار؟ كيف يمكن التعاطي مع ردود الأفعال كهذه؟
- ليست هناك أي وصفة سحرية لحل مشكلة الحصص، هذا أولا، وليست هناك أي معادلة يمكن أن ترضي الجميع، الطريقة الوحيدة لتحديد حصص، هي مثلاً نتائج حديثة لانتخابات، لكن آخر انتخابات تمت في اليمن هي في 2003 و2006، وفي ذاك الوقت لم تشارك أطراف فيها، وبعض الأطراف التي شاركت طعنت فيها، معناه أنه ليس هناك حتى إجماع على الاعتماد على الخارطة السياسية التي ظهرت في ذلك الوقت، أطراف كثيرة تطرح أن تكون لها حصة محددة لأن لها تاريخ، أطراف تقول إنها أحزاب ناشئة ولديها دعم وتأييد، الله أعلم كم مدى هذا التأييد أو التعاطف في الشارع، ليست هناك أي وصفة سحرية لحل هذا الإشكال.
لكن اللجنة توصلت إلى معادلة، وإن لم ترض الجميع، لكن يجب أن نركز على مسألة مهمة وهي أنه مهما كانت الأعداد، بحسب ضوابط المؤتمر، لا تمكن أي طرف من الاستحواذ على المؤتمر، إلا إذا كانت له نسبة 90 %، وهذه نسبة لم يحصل عليها أي حزب من الأحزاب أو حتى حزبين أو ثلاثة، وهذا معناه أنه يجب أن يتحاوروا ويقدموا تنازلات، كل الأطراف، للوصول إلى حلول توافقية، ولهذا الأعداد في الحقيقة لا تهم، والأطراف الرئيسية هي كلها مشاركة، الحراك، الحوثيون، حزب المؤتمر الشعبي، الإصلاح.
*ما مدى تقديركم كمسؤول أممي لخطر تنامي روح الصراع المذهبي والمناطقي في اليمن؟ باعتبار أن شريحة واسعة في اليمن ترفض كل الكيانات القائمة على أسس مذهبية أوجغرافية مناطقية؟ وهل يمكن لمؤتمر الحوار أن يجد حلولاً ناجعة لهذه الإشكالية؟
- أظن هدف المؤتمر الآن هو التركيز على القضايا الوطنية الأساسية، المهمة، قضية الدستور الذي سيحدد شكل الدولة، والنظام السياسي، وهو مناسبة كذلك لإنهاء أسباب الحروب التي تعرضت لها منطقة صعدة، كذلك مناسبة لحل القضية الجنوبية، هذه هي القضايا المهمة.
أنا متأكد أن طموح اليمنيين هو بناء دولة حديثة وهو ما أسموه الشباب دولة مدنية، ليكون مفهوم المواطنة هو الأساس في إطار بناء دولة القانون والمؤسسسات، هذا هو ما يرغب به جميع اليمنيين في الحقيقة، والوقت مناسب الآن لبناء يمن جديد من خلال الحوار.
*أترك لك مساحة تملؤها بما يمكن أن أكون قد أغفلته في هذا الحوار، وتريد توصيله لليمنيين؟
- رسالتي لجميع اليمنيين، رغم الصعوبات والعراقيل، ما تحقق في اليمن هو معجزة بالنظر إلى ما يحدث الآن في سورية، المأساة، الدمار، هذا يذكرنا بمسألة أنَّ اليمنيين في نهاية المطاف رغم اختلاف الآراء وتضارب المصالح في الحقيقة غلبت عليهم الحكمة اليمانية، لكن التحديات لا تزال موجودة والصعوبات والعراقيل، هناك محاولات لتقويض العملية السياسية، ويجب أن يبقى اليمنيون يقظين حتى لا ينجر اليمن إلى متاهات جديدة.
العملية السياسية تقدمت وبشكل كبير، لكن هناك تحديات، وأنا متأكد ومتفائل أن الإرادة موجودة، والشعب كما قلت يريد التغيير، والاستقرار، والشعب تعب من المزايدات الحزبية، والحزبية الضيقة، الشعب يطالب هذه الأطراف السياسية للتعاون لإنجاح هذه التجربة الفريدة من نوعها، والوصول إلى بر الأمان، والوصول إلى انتخابات فبراير 2014، وأنا أرى أنَّ هذا ممكن، والمجتمع الدولي يساند هذه العملية وبشكل كبير، نرى هذا من خلال الإجماع الموجود في مجلس الأمن، من خلال أصدقاء اليمن، والمبالغ المهمة التي قدمت كمساهمات فاقت ما كنا نتصور، بالذات من المملكة السعودية ودول الخليج، هناك دعم حقيقي، هناك إرادة، ونحن متفائلون، وإن شاء الله تنجح هذه التجربة.