قمة مجلس التعاون الخليجي في المنامة
المنامة ـ طارق الشمري
أبدى مجلس التعاون الخليجي، الثلاثاء، دعمه لمهمة المبعوث العربي والأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي، ودعا إلى الإسراع في عملية الانتقال السياسي للسلطة، ورأى أن البرنامج النووي الإيراني يهدد الأمن والاستقرار العالمي، وقرّر إنشاء قيادة عسكرية موحّدة بين دول المجلس. وعبّر المجلس في
البيان الختامي لأعمال الدورة الـ33 على مستوى القادة، الذي تلاه أمينه العام عبد اللطيف بن راشد الزياني، عن "ألمه وحزنه لاستمرار النظام (السوري) في سفك الدماء البريئة، وتدمير المدن والبنى التحتية، الأمر الذي يجعل من عملية الانتقال السياسي للسلطة مطلباً يجب الإسراع في تحقيقه"، مطالباً المجتمع الدولي بـ"التحرك الجاد والسريع لوقف هذه المجازر، والانتهاكات الصارخة، التي تتعارض مع كافة الشرائع السماوية والقوانين الدولية والقيم الإنسانية".
وأكد على "أهمية تقديم الدعم والمؤازرة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري"، داعياً المجتمع الدولي إلى تقديم كافة أشكال المساعدات الإنسانية العاجلة للشعب السوري.
وأكد المجلس على دعمه لمهمة المبعوث الأممي والعربي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي، على أن تكون مرتبطة بتحقيق التوافق في مجلس الأمن، خاصة الدول دائمة العضوية، وفق صلاحيات ومسئوليات المجلس في الحفاظ على الأمن والاستقرار الدولي.
وفي الشأن الإيراني، أعرب المجلس عن رفضه واستنكاره لـ"استمرار التدخّلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون"، وطالب إيران بـ"الكف فوراً ونهائياً عن هذه الممارسات، وعن كل السياسات والإجراءات التي من شأنها زيادة التوتر، وتهديد الأمن والاستقرار في المنطقة"، مؤكداً على "ضرورة التزامها التام بمبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة أو التهديد بها".
ورأى المجلس أن "البرنامج النووي الإيراني لا يهدد أمن المنطقة واستقرارها فحسب، بل الأمن والاستقرار العالمي"، مشدداً على أهمية التزام إيران بالتعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مجدداً مواقفه الثابتة بشأن أهمية التزام إيران بجعل منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية.
وفي السياق، أكد المجلس على "حق الدول، ومن ضمنها إيران، في الاستخدام السلمي للطاقة النووية"، دعا طهران إلى "الانضمام الفوري إلى اتفاقية السلامة النووية، وتطبيق أعلى معايير السلامة في منشآتها".
وجدّد مواقفه "الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال جمهورية إيران الإسلامية للجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التابعة للإمارات العربية المتحدة، والتي أكدت عليها كافة البيانات السابقة".
من جهة أخرى، قال البيان الختامي لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، إن "السلام الشامل والعادل والدائم لا يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، في فلسطين والجولان العربي السوري المحتل، والأراضي التي لازالت محتلة في جنوب لبنان، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهي ذات المبادئ التي تضـمنتها مبادرة السلام العربية، وعكستها قـرارات الشـرعية الدولية ذات الصلة".
وهنأ "الشعب الفلسطيني الشقيق وقيادته بمنح فلســـطين صـفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة"، معرباً عن أمله أن يمثل هذا الإنجاز خطوة جادة نحو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، مجدداً الدعوة إلى توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام ونبذ الخلافات وتغليب المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
في المقابل، أدان المجلس "سياسات إسرائيل الاستيطانية الهادفة إلى تغيير المعالم الجغرافية والديموغرافية في الأراضي الفلسطينية"، واعتبرها "جريمة أخلاقية وإنسانية، وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، ولا يترتب عليها أي أثر قانوني لصالح إسرائيل".
ورحّب المجلس بـ"الإتفاق على وقف اطلاق النار في غزة، الذي تم برعاية مقدّرة من جمهورية مصر العربية"، وأكّد على أهمية مواصلة الجهود لتعزيز هذا الاتفاق وعدم تكرار هذه "الأعمال العدائية الإسرائيلية"، محمّلاً إسرائيل "المسؤولية القانونية المترتبة على هذا العدوان"، وطالب المجلس الأعلى المجتمع الدولي بالعمل على تقديم وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع.
وفي ما خصّ اليمن، عبّر المجلس عن "مباركته لما تم تحقيقه في المرحلة الأولى من تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وذلك بجهود فخامة الرئيس اليمني، وحكومة الوفاق الوطني ودعم الشعب اليمني وقواه السياسية"، آملاً من الجميع "التكاتف والالتزام بما تم الاتفاق عليه بين جميع الأطـراف.
وأشاد في هذا الإطار بالقرار الأخير الذي أصدره الرئيس اليمني بإعادة هيكلة القوات المسلّحة، والذي يأتي في إطار المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كخطوة مهمة على طريق تعزيز الأمن والاستقرار في اليمن .
وتطلع المجلس إلى نجاح تنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة، وذلك بعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وبمشاركة جميع أطياف الشعب اليمني ومكوناته ، واتفاقهم على كل ما يحقق مصلحة اليمن ويحفظ وحدته وأمنه واستقراره.
عراقياً، دعا المجلس الحكومة العراقية إلى "بناء جسور الثقة مع الدول المجاورة على أساس مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، وشدّد على "ضرورة استكمال العراق تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ومنها الانتهاء من مسألة صيانة العلامات الحدودية بين دولة الكويت والعراق تنفيذاً للقرار 833، بالإسراع في إزالة التجاوزات العراقية التي تعيق عملية الصيانة للعلامات الحدودية بين البلدين، والانتهاء من مسألة تعويضات المزارعين العراقيين تنفيذاً للقرار 899 والتعرّف على مصير من تبقى من الأسرى والمفقودين من مواطني دولة الكويت وغيرهم من مواطني الدول الأخرى، وإعادة الممتلكات والأرشيف الوطني لدولة الكويت".
وأدان مجلس التعاون الخليجي في بيانه الختامي "القمع والمجازر الوحشية بحق المواطنين المسلمين من الروهينغيا في ميانمار، وما يتعرّضون له من تطهير عرقي، وانتهاك لحقوق الإنسان، لإجبارهم على ترك وطنهم"، داعياً المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن ومنظمات المجتمع المدني، الإقليمية والدولية، إلى تحمّل مسؤولياتهم، وإيجاد حل سريع لهذه القضية، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة.
الى ذلك، استعرض المجلس توصيات وتقارير المتابعة المرفوعة من المجلس الوزاري، واتخذ عدة قرارات تأتي في سياق العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي.
وصادق على قرارات مجلس الدفاع المشترك، وبارَكَ إنشاء قيادة عسكرية موحّدة تقوم بالتنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البرية والبحرية والجوية المخصّصة والإضافية، كما أقر الاتفاقية الأمنية لدول المجلس بصيغتها المعدّلة والتي وزراء داخلية دول الخليج في اجتماعهم الـ32 في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وكان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، افتتح، الإثنين، الدورة الـ33 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في البحرين، مؤكداً على أن المسؤوليات التي تواجهها هذه الدول حالياً تتطلب منها العمل المشترك بسياسة موحّدة وخطط تكامل دفاعي وأمني واقتصادي.
وناقش القادة خلال جلسة عملهم الأولى، الإثنين، التوصيات الخاصة بقضايا داخلية تتركز على التكامل الاقتصادي والأمن والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى الأوضاع السيئة في الجوار المضطرب، والمواضيع الأخرى المرفوعة من وزراء خارجية دول مجلس التعاون الست ومشروع البيان الختامي.
وأفاد مساعد الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي للشؤون الأمنية هزاع الهاجري، في حديث صحافي، بأن "المعاهدة الأمنية تم الانتهاء منها، وتم رفعها لقادة دول الخليج في القمة الحالية في المنامة، وأن المعاهدة ستعزز من آلية العمل الأمني بين دول الخليج العربية، كما ستساهم بشكل كبير في تبادل المعلومات الأمنية، وفي ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، فإن دول الخليج لديها تنسيق كامل في هذا الشأن، وهناك جهود كبيرة مبذولة في ذلك"، مؤكدًا "أن دول الخليج العربية في أمن وأمان".
من جهته، أكد خادم الحرمين الشريفين، العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، أن "الدورة الثالثة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، تنعقد في ظروف بالغة الدقة، تتطلب منا التمعن كثيرًا في مسيرتنا الخيرة التي بدأتها دولنا منذ أكثر من واحد وثلاثين عامًا، ومساءلة أنفسنا بكل صدق وتجرد, فهل وصلت مسيرتنا إلى ما نتطلع إليه وتتطلع إليه شعوبنا؟".
ومن جهته، عبر ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، عن الأمل بأن تتبنى دول المجلس الإعلان عن الاتحاد الخليجي خلال قمة مرتقبة في الرياض لهذا الغرض، مضيفًا أن "دول الخليج تسعى إلى بناء منظومة دفاعية وأخرى أمنية مشتركة".
بدوره، قال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، الإثنين، في الجلسة الافتتاحية للقمة، إن بلاده ستعقد مؤتمرًا للمانحين لجمع مساعدات إنسانية لسورية بنهاية كانون الثاني/يناير المقبل، وأن هذا يأتي استجابة لدعوة وجهها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مضيفًا "الجرح السوري لايزال ينزف، وآلة القتل تتواصل لتقضي كل يوم على العشرات من الأشقاء في سورية، وأن دعم مؤتمر سورية سيكون عاملاً حاسمًا في تخفيف المعاناة التي نسعى إلى رفع وطئها عن الشعب الشقيق، وأن وحدة المعارضة السورية التي تحققت أخيرًا بالإعلان عن إنشاء الائتلاف الوطني السوري، خطوة هامة تسهم من دون شك في تمكين أبناء الشعب السوري الشقيق من توحيد صفوفه"، داعيًا الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الاستجابة إلى الدعوات بإنهاء القضايا العالقة بينها وبين دول المجلس، وبخاصة قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، وموضوع الجرف القاري وذلك من خلال المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى التحكيم الدولي.
كما ألقى ملك البحرين، رئيس القمة الثالثة والثلاثين، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كلمة افتتح بها الاجتماعات، أوضح خلالها أن "قيام مجلس التعاون الخليجي كان بداية تاريخية لغد أفضل، وأن المجلس قدم مثالاً جديرًا للتعاون الناضج والمثمر في العالم العربي الذي يموج بمتغيرات وتقلبات عدة"، داعيًا إلى "التمسك بالثوابت، وتقوية العمل العربي المشترك لبناء مستقبل أفضل للأمة العربية ودعم الحقوق العربية وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس"، مؤكدًا ضرورة إقامة عالم خال من الصراعات ومكافحة الإرهاب والقرصنة، والأخذ بمبدأ التعايش والتسامح بين مختلف الأديان والثقافات، معربًا عن تطلع دول المجلس إلى قرارات ملموسة تصب في مصلحة المواطنين الخليجيين وتعزز ما تم إنجازه في مختلف المجالات.
جدير بالذكر أن القمة تنعقد في ظل أوضاع تزداد صعوبة في بعض الداخل الخليجي، والمحيط المباشر مع الاتهامات المستمرة لإيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس والأزمة السورية التي تشهد تصعيدًا داميًا، ويشكل الأمن وإخماد العنف همًا طاغيا في الخليج الذي تعيش مجتمعاته حالة من الرخاء الاقتصادي نسبيا بفضل عائدات النفط أبقتها بمنأى من حركات الاحتجاج الشعبية، حسبما أكد المراقبون.