مقام سيدي بوسعيد بعد احتراقه
تونس ـ أزهار الجربوعي
أعلن رئيس بلدية "سيدي بوسعيد" التونسية ،الإثنين، أنَّه سيقاضي زعيم حركة النهضة الإسلامية الحاكمة الشيخ راشد الغنوشي بسبب تصريحاته التي تلت حادثة حرق مقام "سيدي بوسعيد" الشهير وقال فيها إنَّ "الحرق ناجم عن البخور أو عن عطل كهربائي"، وهو ما اعتبره أهالي سيدي بوسعيد
محاولة تضليل وتبرير للسلفيين المتهمين بإستهداف المقامات الصوفية التي يعتبرونها أحد أوجه الكفر والشرك بوحدانية الله، كما أقدم أهالي منطقة سيدي بوسعيد السياحية الشهيرة على رفع شعار "إرحل" في وجه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، ووزير الثقافة مهدي بن مبروك أثناء معاينتهم مكان الحادث.
وأكدَّ رئيس بلدية مدينة سيدي بوسعيد رؤوف الدخلاوي ،الإثنين أنَّه سيرفع باسم أهالي المدينة دعوى قضائية ضد زعيم حركة النهضة الإسلامية الحاكمة راشد الغنوشي على خلفية تصريحاته بشأن الإعتداء على المقام الصوفي الشهير الراجع للولي الصالح سيدي بوسعيد الباجي.
وأشار الدخلاوي إلى أنَّ أهالي سيدي بوسعيد يستهجنون تصريحات الغنوشي الذي عزا سبب الحرق إلى احتمال وجود عطب كهربائي أو بسبب البخور، رغم أنَّ جميع الدلائل والمؤشرات تثبت وجود عمل إجرامي متعمد، على حد قوله، متهمًا زعيم الحزب التونسي الحاكم بالدفاع عن التيار السلفي من خلال تبرير أفعالهم والبحث عن ذرائع تضلل الحقيقة.
وعلَّق الدخلاوي، على تصريحات الشيخ راشد الغنوشي التي يقول فيها "إنَّ السلفيين هم مرجعية الشعب التونسي"، قائلًا إنَّ "تلك التصريحات، أمر غير واقعي"، وتابع "يتحمل الغنوشي مسؤولية تصريحاته".
وتمكنت عناصر الحماية المدنية في تونس، مساء السبت، من إخماد النيران التي اندلعت في زاوية "سيدي بوسعيد" الشهيرة الواقعة على بعد 20 كم شمال شرق تونس العاصمة، فيما استهجنت أطياف الشعب التونسي كافة حادثة الإعتداء على ضريح "سيدي بوسعيد" الشهير الذي يعد أحد الأماكن السياحية، فضلًا عن كونه "رمزًا تراثيًا تفخر به تونس".
واحتج أهالي سيدي بوسعيد على زيارة وزير الثقافة مهدي مبروك إلى المكان، رافعين في وجهه شعار "إرحل" ، مكررين نفس الأمر مع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الذي انتقل لمعاينة مقام سيدي بوسعيد بعد تعرضه للحرق، وسط جو مشحون بالغضب والتشنج من الحادث، وفشل الدولة في حماية هذه الأماكن التي تمثل عمقًا للشعب التونسي، والتي باتت مهددة عقب تتالي سلسلة الإعتداءات على المقامات الصوفية والتي طالت مقام السيدة المنوبية الشهير وكان آخرها، مقام سيدي عبد العزيزي بالمرسى، حيث عمد منفذو العملية إلى إبعاد مصاحف القرآن الكريم عن ألسنة اللهب، وهو ما قد يشير إلى وقوف السلفيين وراء العملية، حاصة وأنَّهم يتخذون موقفًا معاديًا للمقامات الصوفية التي يعتبرونها أحد أوجه الكفر والشرك بوحدانية الله.
من جانبه قال وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية سمير ديلو، الإثنين، معقبًا على عملية إضرام النيران في مقام سيدي بوسعيد الباجي "إنَّ في ثقافتنا الإعتداء على الميت أخطر من الإعتداء على الحي".
وأكد أنَّ الإعتداء على مبنى مقام الولي الصالح الذي يعد جزءًا من التاريخ ومن الذاكرة الوطنية ومن التراث التونسي هي جريمة مضاعفة. وتابع "آن الأوان لإتخاذ خطوة أولى تتمثل في فتح حوار لتوعية الشباب حول أهمية الأولياء الصالحين كجزء من تراثنا وتاريخنا، وخطوة ثانية بإيجاد خطة لحماية المقامات والأضرحة".
وفي السياق ذاته، أصدر حزب التكتل من أجل العمل والحريات، الذي يتزعمه رئيس المجلس التاسيسي مصطفى بن جعفر، بيانًا اعتبر فيه حرق مقام الولي الصالح سيدي بوسعيد الباجي عملًا "ممنهجًا ومبرمجًا ومتوقعًا"، واستنكر "تقصير" السلطة المسؤولة عن حماية التراث الوطني واصفًا الواقعة بـ"إعتداء الجهل على العلم".
كما أصدرت حركة النهضة بدورها بيانًا تدعو فيه إلى كشف ملابسات حرق مقام سيدي بوسعيد الباجي والدوافع الحقيقية التي تقف وراءه، ودانت ما اعتبرته "جريمة شنيعة" في حق المقام، كما دعا الحزب الحاكم في تونس، السلطات القضائية إلى الكشف عن المعتدين محملًا المسؤولية للسلطة المحلية في سيدي بوسعيد.
من جهتها ، أعربت وزارة الثقافة التونسية عن استنكارها للإعتداء الإجرامي على التراث المادي والمعنوي لتونس، حيث تحدث وزير الثقافة مهدي مبروك عن العمل الإجرامي قائلًا "من ارتكب هذه الجريمة لا يستحق أن يكون ابن الثورة"، وفي السياق ذاته اعلن وزير الداخلية علي العريض عن إمكانية تشديد الحراسة الأمنية على المواقع ذات الطابع التراثي وذلك بالتنسيق بين المؤسسة الأمنية ووزارة الثقافة.
ولم تخمد عبارات الشجب والتنديد والتصريحات، نيران الغضب التي أشعلها الإعتداء على أحد أهم المعالم الحضارية والدينية في تونس، فقرَّر أهالي "سيدي بوسعيد" تنظيم مظاهرة من أمام المقام إلى قصر قرطاج الرئاسي القريب جدًا من المنطقة رافعين شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" ، الذي زلزل عرش الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ويعتبر العالم مدينة سيدي بوسعيد، أول موقع محمي في العالم"، حيث يعود تأسيسها إلى القرون الوسطى، وتمثل موقعًا سياحيًا وتتميز مبانيها القديمة بطراز بفن معماري فريد، إذ أنك تجد معظم البيوت في هذه الضاحية بيضاء ذات أبواب عتيقة يغلب عليها اللون الأزرق، وهو ما جعل حادثة الإعتداء عليها يأخذ بعدًا وطنيًا أكبر من الإعتداءات السابقة على المقامات الصوفية، ورغم أنَّ وزراء النهضة ما انفكوا يؤكدون تصديهم لمثل هذه الظواهر المهددة للسلم الإجتماعي والمشوهة لصورة تونس في الخارج، إلا أنَّ رئيس حركة النهضة الإسلامية الحاكمة شغل الرأي العام داخل البلاد وخارجها بتصريحاته المدافعة عن التيار السلفي "الذي يذكره بشبابه" حسب قوله، كما يرى أنَّ جميع التونسيين يشتركون في الأصول والثقافة السلفية .
وصرح الغنوشي مؤخرًا خلال لقاء جمعه برئيس حركة التوحيد والإصلاح في المغرب أنَّ النهضة لا تحتاج لميليشيات وهي حزب منتخب بطريقة شرعية، معتبرًا أنَّ من يحتاج لميليشيات هو المعزول شعبيا، وأضاف أنَّ النهضة تدير وزارة الداخلية وهي ليست خارج الدولة أو خارج الشعب، معتبرًا ذلك سيناريوهات رعب وقع الترويج لها، مشددا على أنَّ الخيار الديمقراطي في الحكم هو خيار التيارات الإسلامية الوسطية.